الرئيسية / كتاب الموقع / الحنين للحارة القديمه…

الحنين للحارة القديمه…

الحنين للحارة القديمه…
خرجت بالسيارة قبل آذان المغرب كغيري من الصائمين بهدف تضييع الوقت وذهبت مباشرةً إلى حارتي القديمة التي لم يمضي على تركها ثلاث سنوات فقط فوجدت أن كل شيئ على حاله البيوت نفس البيوت والطرق نفس الطرق وكل شيء لم يتغير ولكنني افتقدت الروح ، نعم الروح التي كانت تجري في كل شبر من شوارعها وزقاقها تلك الروح المتمثلة بزاوية دكان والدتي التي ورثتها عن والدي ، هذا الدكان لم يكن يتجاوز مساحته 3×3 ومجموع محتوياتها لا تتعدي 200-300 دينار ولكن قد تجد كل ما يلزم البيت فإذا ما كان طلب الزبون متوفر في تلك الدكان تقوم والدتي باحضاره من غرفتها المجاورة وتقدمه بالمجان بل وتزيد عليه وخصوصاً إذا كان الطلب يتعلق بمستلزمات تحضير وجبة الطعام ، كانت الحارة منارة الكبار وحاضنة الشباب ومرتعا للأطفال …
زاوية الدكان هي نبضات قلب الحارة واوكسجينه ومتنفسه ، تلك الزاوية تجبر كل من يمر من أمامها التوقف للماشي على أقدامه ونزول من يقود سيارته لقضاء ولو لبعض الوقت لمعرفة الأخبار من هنا وهناك …
زاوية الحجة ام نورس كما كان يستدلون عليها أو يدلون على من يبحث عن ضالته وكأنها علامة فارقة أو مركزاً للاستعلامات …
تلك الزاوية التي كانت تتوسع بين الفينة والأخرى ذلك ما أجبر الوالدة على تفصيل كراسي من الحديد وفرشه بفراش يليق بجالسيه و كانت الزاوية تضم في جنباتها روح الفكاهة والحب وتبث الأمل وتزيد من الطاقة الإيجابية والمواضيع التي تدور بين الجالسين هي موضوع الساعة ولم يكن أطراف الحديث الدائر يتعلق بالعمر أو المهنة أو المكانه بل كان حديث ساعته ولكنه كان يدار باحترافية وبدون مايسترو أو عريف للجلسة فأحيانا يكون الموضوع عن سيارات الشحن والحدود والاجار والكاوتشوك وتكلغة الصيانة والفيزا ويتناول القوانين الجديدة التي تستحدثها بعض دول الخليج بالإضافة للدور والحمل وغيرة، وعند موسم قطاف الزيتون يتم استعراض المعاصر وتفضيل البعض عن الأخرى وعدد تنكات الزيت ومعدل تحويل الزيت وغيرها بالإضافة إلى إستفسارات عن نوع الطبخ والسوال المتكرر شو طابخين أليوم وشو طبختوا مبارح وتجد من يحب ومن لا يحب نوعية تلك الطبخات وخصوصاً في شهر رمضان المبارك ، أما موسم الانتخابات فحدث ولا حرج فالكل يتشارك أطراف الحديث وتوقعات الفوز وعدد الأصوات وغيرها من الأمور والكل بهرف بما يعرف وبما لا يعرف…
افتقدت اليوم اللاعبين الأساسيين للمجلس مثل عبدالعزيز البركات ابو فايز وأحمد العليان ابو حازم وأبو اكرم الذيابات وأبو جمال العواقلة وفيصل الفريد ابو اسيد وإبراهيم السايس ابو مالك وأبناء عمي محمود وغيرهم ممن توافاهم الله داعياً الله أن يشملهم برحمته ومن الأحياء مصطفى العليان أبو عبدالله والدكتور خالد البشابشة ابو محمد ومحمد ابو الشكر وغيرهم اطال الله في أعمارهم بالإضافة إلى مجموعة من خارج الحارة تحظر أحياناً …
كان الحديث هادى ومفيد ويصور المشهد أحيانا على حقيقته وأحياناً بدب الخلاف و الاختلاف في وجهات النظر وتتعالى الأصوات ويفض المجلس كل يوم عند صلاة المغرب … وتعود الكرة في اليوم التالي وهكذا.
كانت تلك الزاوية عبارة عن جامعة فكرية تربوية وأخلاقية ومثال للحكمة والنصح والإرشاد مدرسوها هم من عجنوا عرقهم بتراب الحارة وزرعوا المحبة ونثروا عطرها وريحانها في كل جنباتها التي اندثرت اليوم فلم يعد هناك طعم ولا رائحة لتلك الحارة ولم تعد البركة موجودة مهما غيرت طلاء حجارها وشوارعها وارصفتها ، فالحارة ليست ببناءها وشوارعها بل الحارة بمن بقطنها مع احترامي الشديد للموجودين الآن.
المهندس خالد أبو النورس البشابشة