الرئيسية / كتاب الموقع / شوفير السوبر

شوفير السوبر

 

بسام السلمان

كانت الصبايا فيما سبق من سنوات يتغنين بسائق السوبر ويفضلنه على غيره ممن يحملون الشهادات لما لهذه المهنة من مزايا مادية ومعنوية، ولقد ترك الكثير فيما مضى وظائفهم والتحقوا بمهنة الموت، سائقين لشاحنات المرسيدس كنا نطلق عليها اسم ” السوبر” في بدايات الثمانينات من القرن الماضي، ولكن بعد الحصار على العراق والذي طال الاردن منه جزءا فقد عادت تلك السوابر والتي كان ثمنها لا يقل عن 40 الف دينار الى الاصطفاف امام البيوت بدون عمل ولم يعد احد ما يتغنى بسائق السوبر ولا حتى بالسوبر نفسها.

وتاليا جزءا من روايتي “امرأة عادية تتحدث عن هذه المهنة ومخاطرها.

“من اجل الخبز يخاطر السائقون في نقل الموت بصهاريج شاحناتهم.

الطريق طويلة وصعبة ومليئة بالمخاطر، لا يعني الخوف للسائقين شيئا، إن توقفوا توقفت الحياة، يحملون في رؤوسهم ذكريات كثير مرها أكثر من حلوها، ورغم أن بعض قصصهم غير صادقة لكنها ممتعة.

عاشرتهم، تعلمت معنى الصبر منهم، علموني الصبر حين يطول انتظارهم على الطرقات، أو على بوابات  الموانئ, وقد اتخذوا من شاحناتهم بيوتا, فهي مطابخهم وأماكن نومهم، ترافقهم كما ظلهم ويهجعون فيها للراحة وللنوم أحيانا ولإعداد الطعام والاسترخاء.

كل سائقي الشاحنات مشاريع قتلى، يحرصون على  تحميل شاحناتهم بفارغ الصبر لتأمين مصدر دخلهم. يدمنون الاسفلت, ويواجهون متاعب الطريق بصبر، عملهم يرتبط بالظروف السياسية أحيانا، حين تضطرب الأحوال الإقليمية تبرز قضايا الحدود ويتكدسون في شحناتهم التي تشكل  طوابير طويلة وتتراجع ارزاقهم .
ميدانهم واسع باتساع مساحات رزقهم، تجدهم جماعات وفرادى في جلسات سمر على جوانب الطرقات بحثا عن قسط من الراحة بعد أن ينال منهم التعب ويبلغ منهم مبلغه، يتحلقون حول مائدة طعام تارة يشترك فيها كل من  حضر أو حول طاولة للعب الورق أو النرد تارة أخرى لاسيما في فصلي الربيع والصيف  فثمة حاجة للراحة والترفيه، كأنهم لا هموم عليهم.
ونحن جلوس بانتظار طنجرة المقلوبة قال سائق:

“نحن  نذرع الأرض طولا وعرضا بحثا عن رزق قد يكون على متن باخرة في عباب البحر أوعلى متن طائرة في طبقات الجو، السائق إما مالكا  للشاحنة او سائقا بالأجرة يمضي معظم أيامه خارج بيته وبعيدا عن أسرته، التحميل والاسفلت هما رزقنا”
ما أن يدلفون إلى ميناء العقبة حتى تنطلق نظراتهم صوب البحر الاحمر بحثا عن بواخر راسية لان رسوها في البحر من أجمل المناظر التي تشاهدها عيونهم والقاعدة لديهم «انه كلما رست البواخر في البحر كلما دارت عجلة الشحن وتحرك أسطول النقل عندهم والعكس صحيح.

يتواصلون فيما بينهم عبر الهواتف النقالة لغايات العمل أو التجمع في مكان معين بهدف التقاط أنفاسهم ولا تخلو مكالماتهم من تحذيرات من دوريات شرطة انتشرت على قارعتي الطريق فمخالفة مرور من «العيار  الثقيل» قد تودي بميزانية ذلك الشهر.
قال سائق:

– امضي 16 ساعة من يومي ممتطيا ظهرالشاحنة اما سائقا على طرق خارجية او داخلية وإما متمتعا بقسط من الراحة.

دعاني يوما الى غرفة السائق التي تضم مناما للسائق، علق فيها عددا من الصور لأفراد أسرته لطول الغياب كما ان بطن شاحنته يضم مطبخا يحتوى على ادوات الطبخ السفري.
أمضى ايمن 25 عاما سائق شاحنة يحرص على صيانة ثلاجة شاحنته فهي بالنسبة له كل شيء ويصفها «بغرفة  التموين والاعاشة يزودها بما طاب له من الماكولات والمشروبات والعصائر فيما يضم مستودع الشاحنة عدة الطبخ المتكاملة فلا يتردد ان يعد منسفا على جانب الطريق الصحراوي ان رغب بأكلة شهية.

تتكدس شاحناتهم على الطريق الصحراوي، تحلقوا حول إبريق الشاي الساخن، وسط ضباب السجائر، في انتظار وصول بقية السائقين قبل الانطلاق في رحلة محفوفة بالمخاطر، قد لا يعودون منها، كما يؤكدون بقلق وحسم!

أربعة من سائقي شاحنات صهاريج نقل النفط من العراق إلى الاردن، عراقي وثلاثة أردنيين وثلاثة معاونين، تحدثا فيما بينهم بكل طمأنينة، حول أحوال الدنيا. يخفي خلف الطمأنينة والسكينة في جلسة الشاي والتبغ هذه كل واحد منهم قلقا كبيرا، من رحلة إلى أخطر بقاع الأرض اليوم!

هم جزء من عشرات سائقي الشاحنات، الذين ينقلون يوميا شحنات النفط العراقي، يخوضون يوميا رحلة محفوفة بالخطر، تكاد تنتهي بالموت. رحلة سائقي شاحنات النفط إلى العراق، قفزة في قلب الخطر، في المناطق التي أصبحت أكثر رعباً، أصبحت الطريق “رحلة عبر الجحيم”.

سائقون يحملون أرواحهم على أكفهم، من أجل لقمة عيش محفوفة بالمخاطر، تبدأ منذ لحظة تجاوز الحد العراقي، ولغاية وصولهم الى المصفاة. اما   الطريق إلى الموصل، شمال العراق، “أسوأ حالاً”، لم ير السائقون مثل هذه الأخطار على الطريق الى بغداد طيلة حياتهم كما هي الآن، “المدن تحت الحصار، الكثير من نقاط التفتيش والتحويلات، قُطّاع الطرق منتشرون في كل مكان”، “الكل يريد نصيبه من بضائعك”.

سائقو صهاريج نقل النفط يعلمون انهم يحملون مواد سريعة وشديدة الانفجار، قنابل جاهزة للانفجار في أي وقت، محترفون، مارسوا هذه المهنة بمرها وخوفها ورعبها، معاناة السائقين في الطرقات يرثى لها ويشيب لها الولدان،

قال لي ابن خالتي والذي هو معلمي:

– إن كنت ما أزال على قيد الحياة فذلك من فضل الله ورحمته، ينام الناس في بيوتهم وينعمون بالدفء ونحن ساهرون في الشاحنات نصارع الجبال والتلال والسهول والرمال والعواصف ونواجه كل الأخطار في سبيل إيصال حمولتنا امنة دون ان يمسها نقص، مصيرنا الموت او التهميش وعدم الاعتراف بالجميل وغياب التغطية الصحية والضمان الاجتماعي وغياب التعويضات المادية الضرورية للعيش الكريم.

سكت قليلا وقال:

– أصبنا بأمراض في كل أنحاء الجسد وخصوصا البصر وفي الدورة الدموية التي اضطربت منذ زمن بعيد بسبب السهر وأضواء السيارات التي تسلط أضوائها على شبكة العين أثناء السير ليلا وكان نتيجة ذلك ضعف البصر، رغم كل هذه التضحيات الجسام فإننا معرضون للبطالة في أية لحظة، فمجرد خطأ بسيط قد يقود السائق المسكين إلى الشارع.

مررنا خلال رحلة صيفية بالقرب من شاحنة معطوبة، قال لي انظر اليها، سائقها اعرفه احترق ولم نستطع انقاذه، كم أدى ذلك إلى انفجارات وإلى كوارث حقيقية وحوادث قاتلة.

 

 

 

 

 

2 تعليقات

  1. 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹♥♥♥♥♥♥♥♥
    الله يقويك ويعطيك الصحه والعافيه استاذنا الغالي ابو احمد
    ♥♥♥♥🌹🌹🌹🌹♥♥♥♥🌹🌹🌹♥♥♥

  2. ابراهيم البشير /ابو صدام

    والله استاذ بسام اقول في سنة 1980كنت معلقا باالاعراس وكانت النبات يتفنن على سائق السوبر ..وكانت الاغاني .ياسايق السوبر المن الماني خذني على حبيبي باالسنه حيرانه وكانت كل الناس تغني على سائق السوبر وكانوا وزير .بس الظروف التي عاشها السائق انحسد …وبعرف كان حق السك ويل 30الف دينار ..ولما باع الأرض واشتري السكس ويل .كتب على سيارة هذا من فضل عبطان …الناس حسدت بعضها البعض