الرئيسية / كتاب الموقع / مجلس الأعيان، هل ثمَّة معارضة هناك؟

مجلس الأعيان، هل ثمَّة معارضة هناك؟

د.طلال طلب الشرفات

*اليسار السياسي يتقن فن “تحالف القطعة”، ويتقن أكثر التحالفات المؤقتة باحتراف سياسي مشروع، ويجيد طرح أفكاره بتوقيت مناسب..

*من حق ” الكتلة المعارضة” أن تخترق تيار الموالاة في مجلس الأعيان لتبني وجهات نظرهم التشريعية، ومن حق تيار المحافظين واليمين الوطني أن يقلل تواجدهم في البرلمان بمجلسيه قدر الإمكان..

في إدراج مثير للصديق العين جميل النمري على صفحتة في “الفيسبوك” “بأنَّ ثمة كتلة معارضة متناغمة في مجلس الأعيان وبصورة غير مسبوقة تجلت في نقاش قانون الجرائم الإلكترونية”، هذا القول يُشكل تطور جديد في العمل البرلماني وعلى الأخص في مجلس الأعيان بصورة تعكس سعة أفق النظام السياسي، وتكريس للمفهوم القائل الراسخ بأنَّ مؤسسة العرش هي لكل الأردنيين في المعارضة والموالاة على حدٍ سواء، وأن تشكيلة مجلس الأعيان الأخير تعكس مضامين الخُلق والفكر، والحلم الهاشمي الجمعي الذي يتسع للجميع، وأنَّ السياسة تطوي ما قبلها لمصلحة الوطن.

شخصياً، لا أتفق أبداً مع كل ما طرحه أعضاء “الكتلة المعارضة” في مجلس الأعيان؛ بل كنت أتمنى أن يتم إقرار المشروع كما ورد من مجلس النواب لقناعات وطنية وقيمية، ولكني بالمقابل أعطيهم كل الحق في النضال من أجل تحقيق قناعاتهم الفكرية والسياسية، ومخاطبة جمهورهم ومرجعياتهم الفكرية في كل مكان ما داموا يمارسون حقهم الدستوري في محراب الأمة في مجلس الأعيان.
اليسار السياسي بما في ذلك الشيوعيين وحلفائهم من أتباع التيار المدني يمارسون عملاً سياسياً متقناً يجمع بين المتطلبات والضرورات الفكرية والسياسية ومرجعياتهم التاريخية متطلبات الظرف الجديد في التحالف مع الدولة؛ لتحقيق هدفين في آنٍ معاً؛ يتمثل الأول في تحقيق مكاسب سياسية من خلال المشاركة في الحكم وتحقيق أهدافهم الفكرية بهدوء وعقلنة وفق خطة “تحقيق الأهداف خطوة خطوة” دون تبني خطاب عاصف يثير نقمة الدولة ومؤسساتها، والثاني محاولة تحجيم دور الإسلام السياسي لخلافات فكرية وسياسية وعقائدية، وقد نجحوا جزئياً في ذلك.
اليسار السياسي يتقن فن “تحالف القطعة”، ويتقن أكثر التحالفات المؤقتة باحتراف سياسي مشروع، ويجيد طرح أفكاره بتوقيت مناسب، ويبقي مسافة الأمان مع الجمهور التي تضمن لهم القبول الجزئي عند فض التحالف مع الدولة من خلال تجديد الحوار النخبوي والشعبي، بل لديهم القدرة على التحالف مع الليبراليين ودعاة الدولة المدنية، ومؤسسات التمويل الأجنبي بخلاف ثوابتهم الفكرية؛ على قاعدة أنه في العمل السياسي يجوز أن “تبرر الغاية الوسيلة”.
من حق ” الكتلة المعارضة” أن تخترق تيار الموالاة في مجلس الأعيان لتبني وجهات نظرهم التشريعية، ومن حق تيار المحافظين واليمين الوطني أن يقلل تواجدهم في البرلمان بمجلسيه قدر الإمكان، وتلك هي أبسط أبجديات التنافس السياسي، ولكن في كل الوقت تبقى مؤسسة العرش هي حامية الدستور، والمظلة التي يستظل فيها كل الأردنيين من مختلف مشاربهم الفكرية والسياسية، ويبقى جلالة الملك هو رأس الدولة وثابتها الكبير.
سيمضي قانون الجرائم الإلكترونية إلى وجهته الوطنية الصحيحة التي تردع المخالفين لأحكامة دون تردد، والحوار الجريء الذي جرى اليوم في محراب مجلس الأعيان يجسد أن أبواب النقد المباح للسياسات والقرارات والتشريعات مشرعة، وأن مساحات حق التعبير تتسع للجميع دون إسفاف أو إجحاف، ولعل المصلحة الوطنية تقتضي أن تتوحد قوى الموالاة؛ كي لا يعلو على صوتها صوت.

عمون .