الرئيسية / كتاب الموقع /  مستنقع الكهرباء!

 مستنقع الكهرباء!

عبد المنعم عاكف الزعبي

من دون غاز إسرائيلي، وضمن أسعار نفط تقارب المعدلات الحالية، حققت شركة الكهرباء الوطنية عام 2018 أرباح تشغيلية تناهز 16 مليون دينار. وذلك بعد أرباح تشغيلية قاربت ال 50 مليون دينار عام 2017.

اليوم، تطل علينا موازنة عام 2024 بتوقعات وصول الخسائر التشغيلية لشركة الكهرباء الوطنية 250 مليون دينار العام القادم.

فما الذي حصل؟ وكيف تحولت الأرباح إلى خسائر، رغم ما حققه الغاز الإسرائيلي من وفر يصل إلى 500 مليون دينار سنويا منذ ذلك الحين؟ فبدلا من أن تصل أرباح شركة الكهرباء ل 516 مليون دينار (أرباح عام 2018 مضافا لها وفر الغاز الإسرائيلي)، نواجه اليوم خسائر تناهز 250 مليون دينار، ما يعني أن ربحية الشركة تراجعت ب 750 مليون دينار.

يحاول البعض توجيه أصابع الاتهام إلى مشروع العطارات للصخر الزيتي، من خلال الحديث عن تكليفه شركة الكهرباء الوطنية أعباء إضافية بواقع 200 مليون دينار سنويا.

ولكن هذا الاتهام بعيد عن الموضوعية.

فصحيح أن المشروع يفرض على الشركة شراء الكهرباء بسعر يفوق كلفة استيراد الغاز الإسرائيلي ب 200 مليون دينار سنويا، وهو ما تحاول الحكومة معالجته عن طريق التحكيم. ولكن الأثر المترتب على ذلك لا يكفي لتفسير تراجع ربحية الشركة بحوالي 750 مليون دينار منذ العام 2018. أي أننا لا نزال أمام تراجع غير مفسر، يفوق الكلفة الإضافية للعطارات، بحوالي 550 مليون دينار.

يؤكد على صحة هذا الاستنتاج أن شركة الكهرباء الوطنية بدأت بتحقيق الخسائر قبل دخول مشروع العطارات إلى المعادلة، حيث وصلت هذه الخسائر إلى 54 مليون دينار و165 مليون دينار عامي 2021 و2022، على التوالي.

إذا ما هي أسباب التراجع المالي للشركة؟ ولماذا يتم الإصرار على الحديث عن مشروع العطارات الذي يشكل 10-15% فقط من إجمالي خليط الطاقة عوضا عن الأسباب الحقيقية والأشمل؟

ربما يكون ما ساهم في تضخيم خسائر الكهرباء محليا يتعلق بخروج المستهلكين المقتدرين من أصحاب الفواتير المربحة من الشبكة نتيجة تحولهم للطاقة المتجددة. وربما يكون السبب متعلقا بمتأخرات رافقت أزمة الكورونا وبدأنا اليوم نحصد نتائجها.

ويمكن أيضا أن يكون السبب مرتبطا بطبيعة الاتفاقيات التي تربط شركات التوليد والتوزيع بشركة الكهرباء الوطنية. وقد يكون لارتفاع أسعار النفط مساهمة جزئية في رفع التكاليف.

بكل الأحوال، يبدو أننا أمام مستنقع مالي مرهق، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار جميع رفعات الكهرباء وتعديلات التعرفة التي تمت منذ العام 2012 دون أن نتمكن من تجاوز الخسائر.

تخيلوا أننا تمكننا من خلال الغاز المسال الذي بدأ ضخه عام 2016 من تخفيض كلفة الكهرباء بحوالي 600 مليون دينار، ومن ثم تخفيض الكلفة من خلال الغاز الإسرائيلي بأكثر من 500 مليون دينار، بالتوازي مع عدة موجات من تعديل تعرفة الكهرباء، وما نزال اليوم، رغم كل ذلك، نحقق خسائر تشغيلية ب 250 مليون دينار.

اليوم نحن بحاجة إلى أمرين. الأول تعيين مستشار طاقة دولي يساعدنا على فهم ما حصل خلال السنوات الماضية، وأن نصارح أنفسنا بأسباب تراجع أرباح شركة الكهرباء الوطنية ومعالجتها. والثاني إجراء دراسة ذات أهمية بالغة تتعلق بمدى تأثير مختلف مصادر الطاقة على ميزان العملة الأجنبية للمملكة.

فصحيح أن كلفة كهرباء العطارات أعلى من الغاز الإسرائيلي، ولكنه مصدر وطني، ومصدر لاستثمارات وعملة أجنبية بلغت حوالي 2 مليار دولار. وهذا ينطبق إلى حد بعيد على استثمارات الطاقة المتجددة، خصوصا تلك التابعة لرأس المال الوطني، والممولة من البنوك المحلية.

أي أن الموضوع قد يكون أشبه بقيام الحكومة بشراء منتجات محلية، رغم ارتفاع سعرها عن البدائل المستوردة، خدمة للاقتصاد الوطني وتقليصا لضغوط الاستيراد على العملة الأجنبية.

علينا أن نخرج من مستنقع الكهرباء بأسرع وقت تمهيدا لإخراج شركة الكهرباء الوطنية من موازنة الوحدات الحكومية، ونقلها إلى ملكية شركة المساهمات الحكومية. ولهذا فوائد عدة منها إسقاط مديونية الشركة من رقم الدين العام!.