الرئيسية / كتاب الموقع / أشم أريج الرمثا بعد الفناء

أشم أريج الرمثا بعد الفناء

د. عبدالله الزعبي.

سيدي، أسلم عليكم بكل جلال الكلمة وسمو المعنى وأجزي لكم باقات الود والإجلال وأنسام التحية، فنحن لا تفصلنا السنون سوى بعام ونصف وينيف، إذ جئت الدنيا قبلك على أطراف الصحراء في الأزرق عندما كان يتطهر بالماء، عند الدروز والشيشان ومربط فرس اجدادك في رحلة الخلاص والمصير ودوحة الكرم. ما زالت الصحراء أبداً تطاردني وفي أحضانها أفقت على الحياة، في الرويشد عندما كانت الإجفور، وأنا اركض تحت اشجارها العطشى صوب والدك الذي أحببت، إذ كان مثلك كما تفعل اليوم يزور البلدة المسكونة بالعزلة ويتفقد شأن الرعية. ذاك حب رافقني طيلة العمر، إذ أتى مع والدي إلى الدنيا سوياً في ذاك العام الذي أغيث به الناس، لكن والدي كان أبن عربي من حوران بسيطاً، بينما والدك من سلالة مجد وعبقرياً، ترك وطناً هو الحياة لك في حين أورث لي والدي قصة عشق اسماها وطن، وكما ترى سيدي فإن شأنك هو قضيتي “وحياتك هي عشقي حين تدعى وطن”.
كانت الزيارة التالية ومضة أتت مع الأيام إذ تفلت مني مجدداً ذكرى الطفولة على حافة العشرة أعوام، تتساقط منها التواريخ والأسماء، لكن بعض ملامح والتماعة منها ترسخ في قاع الحلم، كنت يومها أركض مجدداً على حافة الصبا صوب والدك في بلكونة البلدية العتيقة التي هدمتها أيادي حمقاء جشعة، كان يقف أمام الجموع ملوحاً بإبتسامته ينشرها عبقاً ويحفرها على صفحات التاريخ، مثلما فعلها قبله جده عندما رمى مقلتيه في حضن الراحة العميقة وغفا برهة في كنف الرمثا، فتعلقت اللحظة في بيت “أبي عليقة” مثلما لوحة على صدر الجدار بقيت محفورة في طيف الزمن والعبأة التي تغطى بها. لا أدري أن تناول يومها وجبة البيدر من الكباب المهبل وخبز البصل والجعاجيل، لكنها حكاية لم تكتمل روايتها ولم تشفع لها عاديات الجنون، كانت نقطة في يم لجي تقاذفته أمواج عاتيات، تمزقت بضع صفحات منها على مذبح حلف بغداد والجمهورية الصغيرة القصيرة. أخال الآباء كانت تغمرهم يومها عبوس الملامح وطيبة الروح، تفيح وجوههم بكشرة المهابة وعزيمة ورثوها من سهول حوران، تدافعوا صوب عروبة شتتتها نوازع الجهل والعوز والفرقة وأيادي تسللت خلف جدار “أبي عليقة”. أحسبهم مع أبنائهم يعيدون الكرة اليوم تلو أختها دونما ندم وحسرة إذ تسلحوا بالمعرفة والبصيرة.
سيدي، ما زال الأبناء بإصرار يسيرون على درب العروبة، تتعالى شهقة الهوى في أنفاسهم، تتوالى لهفة العزة في اعماقهم صوب عمان والأقصى، رغم صدود الحاشية التي أفرغت توقهم وسلبت شغفهم، بعثرت شبابهم في أزقة الهجرة والطرق السوداء المتناثرة في البيداء تحصد أرواحهم، وحيدون كانوا لم يهجروا مقلة الفؤاد، سوى من زاد رجولتهم والسنابل وإطلالة القمح في المصرة والبركة الحمراء والزوايد وأم العظام، أبناء يتنقلون بين التجارة والاعمال وعشق الأرض، يتسلحون بالقلم والكتاب، يبثوا ألق الروح في الرياضة ويترنموا على أنغام الدبكة والفلكلور والغناء للعشق والصبايا، إذا أبدعوا اطربوا وإذا أحبوا أخلصوا، عندهم هوى للسخرية وغبار الكلام، صحبتهم صادقة ورفقتهم دافئة يتغطى بها ذو الحاجة والعريان.
سيدي، الرمثا قصة عشق وصبر، عصية على العناد والضيم، سهولها حناء تلبس ثوب الوقار، ونسيم هواها العليل يشفى سقم الأيام، لكنها تتوق لحنين الإنصاف إذ تأبى الهجر والجفاء. رعاك الله سيدي فقد ضربت الحاشية في بلدتي الوادعة ضروب الخسف وأذاقتها كأس العزلة والخواء، أنتهكت حظائر العزة فيها والإباء، حاشية أغلقت نوافذ الرجولة وتوارت خلف استار العنة والهرج، أوصدت أبواب الصدق عن مسامع الحق، فكما تعلم سيدي، ربع صويت قلوبهم مثل قصتهم كتاب مفتوح يرفض الظلم والبهتان ويأبى الإذعان للضيم، يعشقون الرمثا وسهولها وسخرية الحزن الرابض فيها، تحسبهم دوماً يرددون خلف عرار: “بحوران اجعلوا قبري لعلي أشم أريجها بعد الفناء”.

4 تعليقات

  1. م. يوسف العلعالي

    يعني بالمختصر المفيد ( الحكي إلنا واسمعوا يا مُغفّلون )

    ليس كل ّ ما يلمع ُ ذهباً ..!

  2. شكرا لهذا البوح الرمثاوي الرائع : كل الاحترام والتقدير للضيف الكبير – امنيات الخير لاهل الرمثا – ام اليتامى – مقالة تعيدنا الى خمسة عقود مضت كانت الحياة فيها بكر خضراء كمياه وادي الشلالة – شلالة الرمثا – قبل أن يتخلى عنها اهلها ويسرق مياهها وطيورها من لا يملكون واديها وينابيعها. ولعل ملخص مقالتك الرائعة يقول اننا قوم جاهلية اعزنا الله بالاسلام – كل الاحترام

  3. مقال رائع يفي حق الرمثا من دكتور انيق

  4. ابو عبدالله

    سيدي صاحب الجلاله البلد مدموله عماله وافدة يدخل الوافد المصري او السوري او البنقالي ب ٥٠٠ سنوي دينار بدل تصريح عمل و يستولي على قوت أسره اردنيه صار شباب الاردن شغله الشاغل راتب من الشؤون المحروقات بأضعاف سعرها رفعتوها وارتفع كل اشي معها اسعار الحديد و الاسمنت بأضعاف سعرها العالمي شركات الادويه مع النقابه بتآمروا على المواطن وارتفاع الادويه بدون مبرر جهاز الامن العام صارت وضيفته يحمي المراكز الامنيه لا اكثر نقابات الاطباء شغلها الشاغل حفظ الاسعار المرتفعه للأطباء بدون حسيب او رقيب حتى الاردن صار ينضرب فيها المثل لغلاء اسعارها
    حتى الموظف اللي بستلم ٥٠٠ دينار بالشهر صارت مش قادر يدفع فاتورة الكهربا يا سيدنا اتقي الله بهالبلد و اتقي دعوة المظلوم ليس بينها و بين الله حجاب و اللي عمره ٦٠ سنه اذا الله بده يطيل عمره راح يعيش كمان عشرين ثلاثين سنه ثم الموت و الحساب الله يرحمنا و يرحم والديك يا ابو حسين