اللواء محمد البدارين
بصورة مباشرة وبكل قسوة أدان حيدر حيدر عهود الاستقلال العربية ووعودها واوهامها وثوراتها وانقلاباتها وجنون حكامها ، ومن وحل تجربته المباشرة شرح الواقع العربي كما هو، بمشانقه ومجازره وهزائمه وانحطاطاته وصوره المزيفة المخصصة للاستهلاك التلفزيوني ، ونجح في زمن اللاقراءة بتوريط ملايين القراء بعبور صفحاته المريرة ، من غير تنبيهات او تحذيرات او اعتذارات، وبعد ثالث او سابع طبعة تنبه ادعياء الفضيلة ان الرواية تفضح الواقع بكل ابعاده السياسية والاجتماعية، ثم فاضت المنطقة كلها بكل ما فيها من قبح وقيح وجروح ولا زالت تفيض، ولا تحتاج الرواية بعد رحيل كاتبها الى الا قسوة اشد من قراء الجيل الرابع والخامس وربما الحادي عشر لكي يعطوها حقها من الفهم والاضافة والملاحقة.
خصص حيدر حيدر بلاد العراق والجزائر أمكنة وساحات لأحداث روايته الخطيرة، ولم يقم وزنا لاية قداسة وهمية ، وشرح بالسكين ازمنة السقوط والاندحار والفساد والانحطاط ، وفضح كل التزييف الثوري والتقدمي بكل شعاراته الكبرى ذات البريق المنتهي الصلاحية في هواء الإذاعات والمدن الملوثة ، ولو قدر له ان يضيف فصولا اخرى لروايته تليق بمرحلة ما بعد الفجائع الكبرى ليس في العراق والجزائر فحسب، بل في عموم المنطقة العربية لربما كان يحتاج لمزيد من الوقت ليس للإطالة ولكن للاختصار!، كان عملا روائيا شاقا لا يطاوله أي شيء من عبث ادعياء عصرنا كله، وكانت شهادة فاضحة تغلي بأقصى درجات الصدق والعمق والقسوة، على عمر أمة مستباحة ومنتهكة من الداخل اكثر من الخارج، وازمنة وموارد وثروات مهدورة.
وبدون شك، ستبقى الاعمال الكبيرة اكبر من كل مجادلات الفكر اليومي المنتهي بعد الدوام، وستظل الوليمة بكل اسف صورة قبيحة ، لكنها حقيقية جدا لما يسمى عصور الاستقلال العربي.