الرئيسية / كتاب الموقع / د. منذر حدادين يرد على تصريحات أحمد عبيدات

د. منذر حدادين يرد على تصريحات أحمد عبيدات

الرمثانت – بعث وزير المياه الاسبق الدكتور منذر حدادين الى صحيفة السوسنة رداً مفصلاً ، على ما جاء في تصريحات رئيس الوزراء الاسبق احمد عبيدات في مقابلة صحفية، تحدث فيها عن معاهدة السلام وامور واكبها اثناء خدمته للبلاد والملك ، تالياً نصها :

أجريت مقابلة لدولة الرئيس الأسبق الأستاذ أحمد عبيدات حفظه الله في برنامج “قصارى القول” الذي تبثه محطة روسيا اليوم، تحدث فيه دولته عن عدة أمور واكبها أثناء خدمته البلاد والملك، وكان من بينها استقالته من مجلس الأعيان التي طلبها منه نائب الملك يومها. وقال إن الطلب منه الاستقالة كان مدعاته مخالفته لإبرام معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في الاسبوع الأول من تشرين الثاني 1994 قبيل إصدارها بقانون. وحدد دولته أسباب اعتراضه (وكان العضو الوحيد بين أربعين عضواً في مجلس الأعيان) في ثلاثة: أولها التفريط في حقوق المياه الأردنية في حوض نهر الأردن، وثانيها دور الأردن في رعاية الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس الشريف، وثالثها التغاضي في المعاهدة عن حق اللاجئين الفلسطينيين للعودة إلى ديارهم. وحيث أني كنت واحداً من ثلاثة مفاوضين تحملوا وزر مواجهة الغزاة في تفاوض شديد لإبرام تلك المعاهدة، ارتأيت أن من واجبي، في ضوء صمت الحكومة الأردنية، أن أرد على ما يورده المعارضون للمعاهدة البالغ عمرها تسعاً وعشرين سنة. ولا أظن صمت الحكومة حيال أصوات الانتقاد إلا بسبب غياب التفاصيل عن المسؤولين فيها. أما الثلاثة الأردنيون المفاوضون فكانوا دولة الرئيس عون شوكت رشيد الخصاونة، والمرحوم اللواء تحسين شردم (يساعده طيب الذكر المهندس نضال الصقرات) وكاتب هذا الرد.
ويتوجب التنويه أن ليس بمقدوري ولا بمقدور غيري التعرض لوطنية دولة الأستاذ أحمد عبيدات وقد برهنها بسجل خدمته العامة الطويل وخدمته خارجها بعد التقاعد. كما يجب التنويه أن ما تبادر للأذهان عن موقف دولة العين أحمد عبيدات من المعاهدة هو معارضتها من حيث المبدأ، إذ كان يشارك في ذلك جموعاً من الأردنيين الغيورين على مصالح البلاد ومستقبلها. فقد اعترض على إبرام المعاهدة 25 عضواً في مجلس النواب من أصل 79 نائباً حضروا الجلسة، وكان المعترضون ذوي توجهات أيديولوجية إسلامية وأخرى قومية.
إلا أن دولة الرئيس حدد أسباب معارضته واختلفت عما كان يدور في الأذهان حينها مما أوجب هذا الرد.
1. مقدمة لا بد منها
كنت من حمل مسئولية التفاوض على حزمة المياه والبيئة والطاقة في عملية التفاوض في مؤتمر المفاوضات الثنائية، ومن ترأس وفد الأردن لمفاوضات مجموعة المياه للمؤتمر متعدد الأطراف، وعضو الوفد الأردني للجنة التوجيهية لعملية السلام في الشرق الأوسط. وفي جولات المفاوضات الثنائية منذ 7 أب 1994 وحتى صبيحة يوم 17/10/ 1994 طلب إلي الملك الحسين الاعتناء ما تطلب ذلك بمفاوضات الحدود. وكنت خدمت في الجهد الحكومي لتطوير وادي الأردن لما يزيد عن أربع عشرة سنة تمكنت عبرها من التيقن من حقوق المملكة الأردنية الهاشمية في حوض نهر الأردن، وكانت المملكة يوم إرساء تلك الحقوق عام 1955 ثم عام 1958 تتبعها محافظات الضفة الشرقية (عجلون والبلقاء والكرك ومعان) ومحافظات في الضفة الغربية هي القدس والخليل ونابلس. واستقرت حقوق المملكة إثر مفاوضات شاقة أجراها مبعوث الرئيس الأميركي أيريك جونستون مع لجنة شكلتها جامعة الدول العربية برئاسة مصروعضوية سوريا ولبنان أولاً (ديسمبر عام 1953) وأضيف إليهما الأردن في نيسان عام 1954. ووافقت اللجنة الفنية التابعة لجامعة الدول العربية على مضض على الخطة المعدلة التي خاص إليها المبعوث الأميركي في أواخر أيلول 1955. ووزعتها وزارة الخارجية الأميركية على الأطراف المعنية في كانون الثاني عام 1956. وجدير بالذكر أن الالتزام بتلك الخطة كان حجر الزاوية في شروط التمويل الأميركي لمشاريع المياه في حوض نهر الأردن. وطلبت سفارة الولايات المتحدة في عمان في مذكرتها بتاريخ 24 شباط 1958 من حكومة المملكة الالتزام بأن لا تسحب من نهر اليرموك كميات أكثر مما خصصتها للمملكة الخطة المعدلة تلك، ووافقت الحكومة الأردنية بموجب مذكرة وزير الخارجية الجوابية رقم 58/ 14/ 6719 تاريخ 25 شباط 1958 على ذلك الشرط الأميركي.
وللاختصار كانت حقوق المملكة بضفتيها في الحوض بمجموع 720 مليون متر مكعب سنوياً عملتُ على فرزها مراعاة لقرار فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية عام 1988 وكان ذلك الفرز مستنداً إلى عمل اللجنة الفنية الغربية التي استندت إلى أعمال مستشارين دوليين. وتبيّن نتيجة لذلك أن نصيب الضفة الشرقية 579 م م م سنوياً و 241 م م م للضفة الغربية وتتألف حصة شرقي النهر مما يلي:
– 175 م م م من تصريف الأودية الجانبية الشرقية من وادي العرب شمالاً إلى وادي حسبان جنوباً.
– 296 م م م من نهر اليرموك
– 8 م م م من مياه جوفية في وادي الأردن الشرقي.
ومجموعها 579 م م م سنوياً لإرواء 360 ألف دونم في الأغوار الشرقية.
أما نصيب المملكة غرب النهر فيتألف من:
– 100 م م م من بحيرة طبريا شاملاً ما لا يزيد عن 15 م م م من مياه الينابيع حولها (وهي دلعة- مالحة).
– 52 م م م من روافد النهر الغربية من وادي الفارعة حتى وادي القلط جنوباً.
– 8 م م م مياه جوفية في الغور الغربي
– 81 م م م من نهر اليرموك
ومجموعها 241 م م م سنوياً لإرواء 60 ألف دونم في الأغوار الغربية.
ويشارك الضفتين في نهر اليرموك سوريا بواقع 90 م م م سنوياً وأراضي مثلث اليرموك من أراضي فلسطين 1948 (إسرائيل) بواقع 25 م م م سنوياً. إلا أن الوثائق التي كانت بحوزتي تقول إن إسرائيل أصرت على كمية 40 م م م سنوياً لإرواء مثلث اليرموك بين بحيرة طبريا ونهر اليرموك وكان موقف اللجنة العربية 17 م م م نصيباً لذلك المثلث وكان رقم الخطة الموحدة 25 م م م.
اتخذت من الخطة الموحدة مرجعاً كحد أدنى للدفاع عن حقوق المملكة إزاء إسرائيل وهو ما يعني حصة لإسرائيل لا تزيد على 25 م م م سنوياً من اليرموك. أما سوريا فلم تكن عملية السلام مكاناً للتفاوض الثنائي معها حول أي أمر.
واشترك الفلسطينيون في المؤتمر الدولي للسلام تحت مظلة الدولة الأردنية وكان الوفد الفلسطيني برئاسة الدكتور حيدر عبدالشافي رحمه الله (1991- 1993) في حين ترأس الوقد الأردني للمفاوضات الثنائية دولة المرحوم الدكتور عبدالسلام المجالي (1991- 1993) خلفه دولة المرحوم الدكتور فايز أحمد الطراونة (1993- 1994).
ويكفي أن أشير إلى أن الوفد الأردني الفلسطيني “المشترك” أقام الجزء الأردني منه في فندق الويلارد انتركونتيننتال في واشنطن في حين أقام الجزء الفلسطيني منه في فندق غراند في نفس المدينة، والإشارة إلى أن رغبة الاستقلال في الوفد الفلسطيني كانت جامحةً بما في ذلك الابتعاد ما أمكن عن الأردن.
كانت الأراضي الفلسطينية المحتلة خارج مسؤولية التفاوض الأردني – الإسرائيلي إلا أن جلالة المغفور له الملك الحسين أصدر توجيهاته إلى الوفد الأردني في اجتماع بقاعة مجلس الوزراء بإعطاء كل الدعم للوفد الفلسطيني وبالحفاظ بكل ما أوتينا من عزم على عروبة القدس.
كان لا بد من هذه المقدمة لتبيان حقوق المياه الأردنية. وتحقيق تلك الحقوق منوط بتخزين مياه اليرموك شتاء، واختار الأردن وسوريا عام 1953 تخزينها في موقع المقارن (سد الوحدة)، ويتبقى منها كمية لا بأس بها لا بد من تخزينها عند أطراف النهر السفلى. ونصت الخطة الموحدة على تخزينها في بحيرة طبريا أو في أي مكان اقتصادي آخر. وكنت جهدت عام 1984 لتخزين مياه اليرموك الشتوية في الأراضي الأردنية وكان العثور على خزان في غور كبد هو خزان سد الكرامة عملت الحكومة على بنائه وإنهائه عام 1997.
2. نتيجة التفاوض مع إسرائيل
بدأ التفاوض الجدي حول المياه مع إسرائيل في فندق الموريا بلازا في الجانب الإسرائيلي من جنوب البحر الميت بين كااتب هذا الرد والخبير الإسرائيلي نوح كينارتي يوم 8/8/1994 بعد اجتماع المغفور له الملك الحسين برئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأميركي بيل كلنتون وإصدارإعلان واشنطن يوم 25/7/1994 واستمر التفاوض على المياه متقطعاً إلى يوم الخميس 26/8/1994 ثم استؤنف يوم الإثنين 10/10/1994 واستمر دون توقف في العقبة حتى ظهر الأحد 16/10 ثم في قصر الهاشمية غرب عمان طيلة ليل الأحد 16-17/10 وصباح الإثنين بعده.
حقق المفاوض الأردني للمياه مع إسرائيل أعلى من الحد الأدنى المتمثل في أرقام الخطة الموحدة، فقد تمكن من ضبط الحصة الإسرائيلية في نهر اليرموك عند 25 م م م سنوياً تسال إلى مثلث اليرموك. وما تبقى من تصريف نهر اليرموك عند العدسية (بعد حسم الحصة السورية البالغة 90 م م م) هو نصيب الأردن (296 م م م) ونصيب الضفة الغربية (81 م م م سنوياً) .
وزيادة على هذا الحد الأدنى فقد حصل المفاوض الأردني من إسرائيل على ما يلي:
– 50 مليون متر مكعب سنوياً مياه إضافية (بدأت إسرائيل بضخ نصفها في أيار 1997 ويضخ النصف الثاني بعد أن تقيم إسرائيل محطة تنقية للينابيع المالحة في الغور الغربي).
– 10 مليون متر مكعب سنوياً من بحيرة طبريا بدأت بضخها عام 1995.
ووافق المفاوض الأردني، بشكل منفصل) على أن تستعمل إسرائيل ما لا يزيد عن 10 م م م من مياه جوفية (ملوحة 1800 جزء بالمليون مقارنة بملوحة 550 جزء بالمليون في طبريا) تضخ من أبار يشغلها أردنيون في الأراضي التي انسحبت إسرائيل منها في وادي عربة بموجب المعاهدة.
وتنص المعاهدة (الملحق رقم 2) على حق الأردن في بناء سد تحويلي/ تخزيني على نهر اليرموك كي يصار إلى تحويل أقصى تدفق من اليرموك شتاء إلى قناة الملك عبدالله (ومنها إلى خزان الكرامة). كما نصت المعاهدة على جواز إقامة سد على نهر الأردن بين الأغوار الأردنية والإسرائيلية بسعة متواضعة.

3. التخزين في بحيرة طبريا
لم تتطرق المعاهدة (التي عارضها دولة العين أحمد عبيدات في أوائل تشرين الثاني عام 1994) إلى التخزين في بحيرة طبريا لا من قريب ولا من بعيد! ولا أستوعب ما أدلى به دولته في برنامج “قصارى القول”، من أن السبب الأول لمعارضته كان تخزين المياه الأردنية الشتوية في بحيرة طبريا! ولا يوجد في المعاهدة ما يوحي بذلك أو ما يشير إليه.
إنما جاء التفكير الأردني للتخزين في بحيرة طبريا شتاء واسترداد ما يتم تخزينه صيفاً (دون أي خسائر بالتبخر) في صيف عام 1997 بعد اعتراض دولته على المعاهدة بثلاث سنوات. وسبب اللجوء إلى التخزين في طبريا ما يلي:
تبين عام 1997 أن السد التحويلي/ التخزيني المشار إليه سيغمر أراض فلسطينية على الجانب الشمالي لنهر اليرموك بسبب تغيير موقعه إلى الشرق قليلاً ذلك لأانه تم اكتشاف “خربة أثرية” على الكتف الشمالي (إسرائيل) يعود تاريخها إلى عدة ألاف سنة مضت. وبتغيير موقع السد تبين أنه سيغمر أراض فلسطينية (تدعي إسرائيل استحواذها) وأثار نشر جريدة هاآرتس لذلك ضجة في الصحف الأردنية فقرر الأردن أن يكون السد تحويلياً فقط دون تخزين. وبذلك برزت الحاجة (عام 1997) إلى موقع آخر لتخزين المياه الأردنية الشتوية من نهر اليرموك، وكنا نعلم أن الخطة الموحدة (مرجعيتنا الدنيا) نصت على تخزين مياه اليرموك في سد يبنى عليه (عند المقارن) وما يتبقى من التصريف الشتوي يمكن تخزينه في بحيرة طبريا أو في أي مكان اقتصادي أخر كما أسلفت. ووافانا حظنا باكتشاف موقع سد الكرامة كمكان إقتصادي للتخزين إلا أنه لا يتسع للحصة الأردنية الشتوية من نهر اليرموك، فصار البديل إما موقع سد خالد بن الوليد أو في بحيرة طبريا كما نصت عليه الخطة الموحدة.
كانت إسرائيل تعارض من الخطة الموحدة حصتها من نهر اليرموك وتعارض بشدة تخزيم مياه عربية في بحيرة طبريا. وحيال ضرورة التخزين الشتوي لمياهنا ارتأيت اللجوء إلى الخطة الموحدة. وأشرت إلى هذا الاحتمال في اجتماع مع شارون ومع مائير بن مائير تحت ظلال شجرة كينا عند مدخل نفق قناة الملك عبدالله في أواخر شباط 1998، تلاه اجتماع للتفاوض الشاق جداً على ذلك عقد معهما في فندق الهيلتون بتل ابيب في أوائل نيسان 1998 وتم فيه انتزاع موافقة شارون على تخصيص 60 م م م من سعة تخزينية لصالح الأردن في بحيرة طبريا. وكان موقف الحكومات الإسرائيلية عدم الموافقة على استعمال أي طرف عربي لبحيرة طبريا مخافة مطالبتهم بالسيادة على أي جزء منها وهي تقع بكاملها داخل فلسطين المحتلة. والجدير بالذكر أن الخلاف على حدود سوريا عند شاطئ بحيرة طبريا كان أحد أسباب انهيار المفاوضات السورية الإسرائيلية.
وهناك وسيلة واحدة لتسييل المياه من طبريا جنوباً إلى مثلث اليرموك وإلى غور بيسان وكلاهما داخل إسرائيل، والوسيلة الوحيدة هي محطة ضخ أقيمت على شاطئ البحيرة الجنوبي جوار بوبابات “دجانيا” التي تتحكم بمخرج نهر الأردن من البحيرة، تضخ في أنبوب كبير إلى بيسان وفي أنبوب أخر إلى مثلث اليرموك وينتهي هذا الأخير بخزان مياه خرساني قريب من ضفة نهر اليرموك الشمالية. وهو الأنبوب الذي تسال فيه المياه إلى الأردن عبر امتداد له بناه الأردن عام 1994- 1995 يمتد من نهاية الأنبوب الإسرائيلي إلى قناة الملك عبدالله. وقد كشفت على الأنبوب ومساره قبل توقيع الاتفاقية عام 1994 لأنه كان مسار المياه المنوي إسالتها للأردن.
وعبر هذا الأنبوب تضخ إسرائيل المياه إلى الأردن بالكميات التالية:
– 10 م م م سنوياً منذ 1995
– 25 م م م سنوياً هي نصف كمية المياه الإضافية منذ أيار 1997
– كامل ما يتم تخزينه شتاء في البحيرة منذ عام 2001 وتعتمد هذه الكمية على جودة الموسم المطري من عدمها.
4. أسطورة المياه العادمة
وفي أول تموز عام 1998 قبيل سفر المغفور له الملك الحسين إلى مايو كلينيك، طرأ تغير على نوعية المياه التي يضخها الأردن من قناة الملك عبدالله عبر مشروع دير علا – عمان، وبعد سفر جلالته يوم الثلاثاء 8/7/1998 التأمت جموع الصحفيين (بالصدفة!) في قاعة الاجتماعات لوزارة المياه والري في الشميساني وكانت لهجة خطابهم على غير عادتهم: عدائية متحدية وكأنهم قرروا أسباب الطعم المستجد للمياه المسالة إلى جبل الحسين والعبدلي رغم أن الشكاوى من المستهلكين بدأت قبل ذلك بأسبوع.
كان السبب في تغير الطعم هو درجة الحرارة اللاهبة في الأغوار والمياه من اليرموك المحولة إلى القناة تحمل معها فوسفات تنحره من قاع النهر في بعض المواقع وحملت المياه المسالة من طبريا إلى نفس القناة الأردنية بعض الطحالب. وبامتزاج المصدرين عند مسقط العدسية هاجت الطحالب بوجود غذاء لها (الفوسفات) ودرجة الحرارة التي جاوزت الأربعين. وازدادت كثافة الطحالب في مياه مشروع دير علا عمان إلى درجة فاقت قدرة محطة التنقية في زي على إزالة أثرها فتركت أثراً في طعم المياه خاصة وكيماويات العلاج كانت متناقصة. استقدمنا الخبراء من الولايات المتحدة وزودنا المحطة بلوازمها من الكيماويات وكلاهما بإسهامات مشكورة من وكالة الولايات المتحدة للإنماء الدولي التي مولت محطة زي للتنقية. إلا أن وضع الطحالب استمر واشتدت الحرارة وكان من الصعب التغلب عليها إلا عند استقالة وزير المياه والري! صلحت أمور المياه حينها. إلا أن اختلاق مشاكل أخرى في البلاد لم يتوقف إلا قرابة نهاية العام 1998!
نشط معارضو السلام مع إسرائيل، ودفعوا بتشخيصاتهم وهم بعيدون كل البعد عن معرفة أسباب المتاعب، وكان معارضو المعاهدة في مجلس النواب ونائبان أخران في شغل شاغل بأمر “تلوث” مياه دير علا عمان! ونقل الصحفي المرحوم زياد أبو غنيمة في جريدة السبيل عن وزير سابق خدم في حكومة دولة الرئيس عبيدات أن إسرائيل ضخت للأردن مياه مجاري معالجة!! والوزير لا علاقة له بالمياه ولا بمصادرها مطلقاً. وما كان أبعد من كلام كهذا عن الصحة. ونفيت الخبر المغرض لأني مشيت أثناء فترة المفاوضات بموازاة الأنبوب الإسرائيلي وزرت محطة الضخ عند بوابات دجانيا قبل الموافقة على ميكانيكية التزويد. وتبين لي بعد مدة طويلة أن الهجوم الصحفي والضجة التي أثيرت لم تكن مهنية بريئة بل كان وراءها أصحاب هدف نجحوا في تحقيقه.
والغريب أن ادعاء “التلوث” استمر بأصوات عالية دون أية عوارض صحية على المستهلكين لتلك المياه إذ كنا نتابع تقارير العيادات الصحية والمستشفيات مع معالي وزير الصحة أنذاك المرحوم الدكتور أشرف علي سيدو الكردي. وعمل رئيس الوزراء تحت ضغط أصحاب الأجندات على تحويل خمسة من كبار موظفي سلطة المياه إلى القضاء بتهمة الإهمال في أداء الوظيفة، وبعد أكثر من عام من الاتهام والمرافعة كانت نتيجة كل واحد من أولئك الموظفين “عدم مسؤولية”.
ويتساءل المرء: إذا كانت نية إسرائيل إسالة مياه عادمة إلى الأردن (ولا وسيلة ميكانيكية لذلك) فلماذا لم تكرر تلك المحاولة منذ ادعاءات المعارضين عام 1998؟ لماذا كانت حادثة يتيمة أودت بحكومة الدكتور المجالي وبغيرها؟ وبالمتابعة الشديدة اتضحت أسماء المسؤولين الأربعة والمسؤول السابق الخامس الذين تولوا أمر إثارة الضجة وإدارتها إلى أن أتت أكلها! ودولة الرئيس عبيدات لم يكن أحدهم إطلاقاً. وليس كل ما يعلم يقال.
ويحيرني كيف اعترض دولته عام 1994 على إجراء لم يرد في المعاهدة بل تم بحثه عام 1998 وتنفيذه عام 2001؟
5. السببان الآخران
وأورد دولة الرئيس عبيدات سببين أخرين لاعتراضه على معاهدة السلام:
أولهما: أن قضية اللاجئين لم تتناول حق العودة، وهو موقف ثابت للأردن. ودولته صادق في تبيان الموقف الأردني حيال حق العودة. وأذكر اجتماعا عالي المستوى يوم الخميس 25/8/1994 حضره من الجانب الإسرائيلي اسحق رابين وشيمون بيريز وإليكيم روبنشتاين وترأس الجانب الأردني المغفور له الملك الحسين. وابتدأ الحديث:
– رابين: إن قبول إسرائيل لحق العودة هو بمثابة انتحار.
– الملك: انتم تقولون لا لحق العودة ونحن نقول نعم لحق العودة، فلندع الزمن يكون الفيصل.
ولم يفرط الأردن بحق العودة في أي من نصوص مواد المعاهدة، والنسخة الإنجليزية هي المرجع بين الطرفين. أقول ذلك لأن النص العربي أخطأ في ترجمة كلمة settlement الواردة في النص ومعناها مساعدتهم (أي اللاجئين) على الاستقرار إلا أن الترجمة في النسخة العربية كانت “التوطين” وهذا خطأ. والنص الخاص بذلك جاء في المادة 8-ج من المعاهدة كما يلي:
Article 8
Recognizing that the above human problems caused by the conflict in the Middle East cannot be fully resolved on the bilateral level, the Parties will seek to resolve them in appropriate forums, in accordance with international law, including the following:
C. Through the implementation of agreed United Nations programs and other agreed international economic programs concerning refugees and displaced persons, including assistance to their settlement.
واعترافاً بأن المشاكل الإنسانية التي سببها النزاع في الشرق الأوسط لا يمكن حلها على المستوى الثنائي، فإن الأطراف سيبحثون عن حل لها في المحافل المناسبة، بموجب القانون الدولي، بما في ذلك ما يلي:
ج. بتنفيذ برامج الأمم المتحدة المتفق عليها وبرامج اقتصادية تخص اللاجئين والنازحين بما في ذلك المساعدة في استقرارهم.
ليس هذا هو المهم إنما المهم أن الملك تعرض لضغط متكرر من المرحوم ياسر عرفات يطلب منه ألا يفاوض الأردن على قضية اللاجئين (الأردنيين جنسية) قبل أن يتفاوض الفلسطينيون على نفس القضية للاجئين الآخرين (في الضفة وسوريا ولبنان والمهاجر) لأنه لو تم تفاوض الأردن على قضية اللاجئين أولاً لن يكون بإمكان الفلسطينيين الوصول على اتفاق أحسن من الاتفاق الأردني لو حصل. وكان اتفاق أوسلو وما تمخض عنه يحدد موعداً للتفاوض مع الفلسطينيين على قضية اللاجئين (وقضايا أخرى) أثناء مفاوضات الوضع النهائي بعد خمس سنوات من أوسلو، أي عام 1998. ولم تبدأ للآن مفاوضات الوضع النهائي!
أوشك المغفور له أن يجعلنا نتخطى في التفاوض ما يتعلق باللاجئين، لولا أن المفاوض الفذ عون الخصاونة والأستاذ جيمس كروفورد مستشارنا القانوني أقنعا جلالته ألا نغفل موضوع اللاجئين في المعاهدة، وكان علاج القضية طرياً غير ناضج عمداً بانتظار مفاوضات الوضع النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين وكذلك مفاوضات مجموعة عمل اللاجئين في المؤتمر متعدد الأطراف.
وثانيهما: دور الأردن في المقدسات الإسلامية في القدس
استثنى قرار فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية المقدسات وشؤون الأوقاف في الأماكن المقدسة في القدس الشريف وبقيت تلك الأماكن كما كانت قبل فك الارتباط. أي أنها أراض أردنية محتلة تديرها وزارة الأوقاف الأردنية. وورد في المعاهدة في المادة 9 ما يلي:
2. In this regard, in accordance with the Washington Declaration, Israel respects the present special role of the Hashemite Kingdom of Jordan in Muslim Holy shrines in Jerusalem. When negotiations on the permanent status will take place, Israel will give high priority to the Jordanian historic role in these shrines.
وترجمته:
2. وبهذا الصدد، وبموجب إعلان واشنطن، تحترم إسرائيل الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس. وعندما تبدأ مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية عالية للدور الأردني التاريخي في تلك الأماكن.
فما الذي غيرته المعاهدة في الدور الأردني؟ لا شيء سوى أنها أكدته بما لا يدع مجالاً للشك. ويبدو أن سبب كهذا للاعتراض على المعاهدة لم يكن مبرراً.
أما الدور الأردني في حماية المقدسات المسيحية فلم يرد أي نص حوله في المعاهدة، وإنما استجد هذا الدور للملك الأردني أطال الله بقاءه إثر توافق بين بطريرك المدينة المقدسة للروم الأرثوذكس وبين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عام 2012 وعرضا الأمر على الملك عبدالله الثاني المعظم ووافق عليه. وإسرائيل ليست طرفاً في هذا الأمر.
ولا أشك لوهلة في وطنية دولة الرئيس عبيدات وغيرته على مصالح البلاد، وسجله يشهد، والله من وراء القصد.