قصة صورة

 

بسام السلمان

الساعة العاشرة صباحا، دخل مربي الصف في شهر تشرين اول ” شهر 10 ” من عام 1981 الى الصف الثالث ثانوي ادبي ” التوجيهي ” كان صفنا في الطابق الثالث من مدرسة الرمثا الثانوية للبنين وطلب من كل واحد منا صورا واصدار جواز سفر مبكرا من اجل التقديم لامتحان الثانوية العامة التوجيهي.

لم نصدق ونحن ننظر في وجوه بعضنا البعض، كنت اجلس في المقعد الخلفي وبجانبي الصديق الشيخ فيصل ابو قطيش الشقران، كنا نحن الوحيدين الذين نجلس في مقعد وكانت المقاعد ” الرحلاية ” يجلس فيها ثلاثة طلاب، لم نصدق من الفرحة. العاشرة صباحاً! هذه إذاً المرة الاولى لدخولنا عالم الرجال، فجواز السفر يعني انك سوف تسافر، وتسافر وحدك، ويعني انك بعد النجاح في التوجيهي سوف تتوجه الى احدى دول اوروبا الشرقية لدراسة الطب او الهندسة، وقد كان مسموح لنا نحن طلبة الادبي ان ندرس الطب وبغض النظر عن معدل الثانوية، ولا ادري لما تغيرت المقايس والنظم.

واصبح علينا الان واجب ان لا نتأخر في التقاط الصور الفوتوغرافية، وكانت وقتها ابيض واسود، وكان هناك ثلاثة ستوديوهات تصوير ستوديو نايف الشقران قرب تكسي الاخلاص وستوديو التاج مقابل المسجد العمري وستوديو نافز العمري مقابل مركز شابات الرمثا ولا اعرف ان كان هناك اكثر من هذا العدد وان خانتني الذاكرة فانا اعتذر سلفا، حصلت على الصور بعد ان دفعت مبلغ دينار ونصف وكنت فرحا بها، كنت فرحا بصورتي التي كان يبدع المصور في التقاطها ولم تكن كصور هوية الاحوال المدنية مثلا التي يتغير فيها شكل الانسان.

بالامس وقعت على صورة ملونة علقها ابني صلاح في الغرفة التي نجلس فيها، وكانت هذه الصورة معلقة في بيت امي رحمها الله، وقد ابدع الحبيب نايف الشقران رحمه الله وادخله فسيح جناته بتلوينها فيما بعد، الصورة قديمة جدا، ولكن شيئاً ما جذبني إلى تلك الملامح الطفولية وملامح الشباب، هذه الصورة دفعتني إلى الابتسام. هذه صورة لها ذكرياتها الخاصة، وفجأة.. توقفت عند تلك الصورة. صورة التوجيهي وصورة اول جواز سفر وصورة نهاية الطفولة، الصورة التي كنت اعيشها في تلك الايام، الاستيقاظ صباحا وتصفيف الشعر المسترسل الطويل، والتوجه الى المدرسة في الوقت الذي كانت تمر فيه بنات مدرسة الرمثا الثانوية للبنات، بنات الحارة الغربية وبنات الاسكان، لكننا وانا اقسم على ذلك لم نكن نعترض طريقهن بالكلام او بالنظر او حتى بالنوايا.

تحجز الصورة لنفسها في حياتنا مكانا متقدّما، متفوقةً على الكلمة. تعبر الصورة رغم صمتها أكثر من أيّ رواية، فهي تنطق بآلاف الكلمات. وقد تهز صورةٌ واحدةٌ العالمَ بأسره من دون الحاجة إلى اللغة التي قد نحاول من خلالها وصف المشهد البادي في الصور فقط.

لكن الصورة، وإن خُلِّدت في الذاكرة، فإنّ قصتها قد تُنسى، فتضيع الحقائق، وتلتبس مع مرور السنين، وتتعدد روايات التاريخ، ويروي كل واحد منا حكايته مع الصورة، ومع من جلسوا في اطارها، منهم من قضى نحبه ومنهم من يعيش حياته مع اسرته ومنهم من تمر عليهم تلك الذكريات اذا التقوا فيضحكون ويتواعدون باللقاء لكنهم لا يلتقون.

انتهت صلاحية جواز السفر ولم اسافر به نهائيا ولكني ما زلت احتفظ بتلك الصورة التي التقطتها من اجله.

 

 

 

 

 

 

 

 

2 تعليقات

  1. كنا في نفس العام بالتوجيهي اخوي ابو احمد
    واني عملت اول جواز سفر وسافرت الى امريكا
    سافرت الى عالم اخر لا يشبهنا لا من باب ولا طاقه
    ويا ليت ما عملنا جواز سفر ولا رحنا ولا جينا ولا قارنا ولا بكينا
    صورتك ذكرتني بصور الغوالي
    ادام عليك ثوب الصحه والعافيه وطولت العمر يا رب
    ويرحم نايف وامواتنا واموات المسلمين
    اول مصور كان استديو التاج والثاني نايف الشقران رحمه الله والثالث نافذ العمري في تلك الحقبه من الزمن

  2. عبدالرحمن قويدر

    ابواحمد الحبيب أحييك على رحابة صدرك وجمال تعبيرك وقد لامسنا شعورك وذكرياتك المرهفه في ذلك الوقت وفقنا الله وإياكم لمرضاته