جرس الباب

بسام السلمان
كنا أيام زمان نقرع جرس الباب ونهرب، جرس الباب الذي كان قد دخل حديثا بدل الطرق على البوابة الخشبية او الباب الحديدي سواء كان بقبضة اليد او بتلك اليد التي تم تركيبها على الباب تسهيلا للزائرين.
ولان الاطفل في تلك الايام التي لم يكن فيها فيس بوك ولا تويتر ولا يو تيوب ولا اي من وسائل التوصل الاجتماعي ولم تكن حتى اجهزة التلفزيون العادية منتشرة في البيوت ولم تكن الكميرات مثبتة في كل زاوية من زواية المنزل، فقد كانوا، واقصد الاطفال، اشقياء يمارسون بعد المغرب العاب كثيرة ولكنها كلها امنة وبسيطة، ومن تلك الشقاوات التي كان يفعلها البعض هي قرع الجرس والهروب وانتظار احد سكان البيت للخروج لمعرفة من الذي قرع الجرس، وفي احيان كثيرة في ظل عدم وجود انارة كافية في الشارع يعودون ويكررون العملية ويعود الباب يفتح للكشف عن الزائر الذي يختفي مع هروب الاطفال.
كانت اخر مرة قرعنا الجرس انا وصديقي قبل اربعين عاما، كنت متورطا مع صديقي العاشق، كان يقرع جرس منزلها ونهرب معا، فتشتمنا، وقبل ان تدخل وتغلق الباب خلفها كانت تبستم، كانت تعتقد اننا لا نراها ولكننا كنا نراها.
**
وعند الحديث عن الابواب وقرعها او الاجراس استذكر ما كتبه الروائي الجزائري مالك حداد في روايته «سأهبك غزالة» “لا تطرق الباب كلّ هذا الطرق، فأنّي لم أعد أسكن هنا”.
والباب يعني كل فاصل مادي او معنوي، وهو الحد الفاصل بين الفضاء المفتوح والفضاء المغلق، وطرق الباب هو طلب انفتاح فضاء مغلق والكشف عن ما بدخله.
وقد تغيرت العلاقة بين الساكن وبين الطارق فمن كان يسكن البيت تركه وهجر المكان، وقد تغيرت العلاقة بيننا فإننا لم نعد نسكنه رغم انه ما زال يحتفظ بصفاتنا وذكرياتنا، وان جاء الاطفال وقرعوا الجرس وفي نيتهم أنّي أنا في الداخل فماذا يفيد طرقهم وعبثهم، حتى ان كنت انت من يطرق الباب فإن كنت تطلبني ولا تجدني، فالعلاقة تغيرت بيني وبين البيت والباب والجرس، فأنا لم اعد اسكن هنا وسوف يفتح لك الساكن الجديد الباب، وستجده غريبا ولهجته غريبة ولن يطلب منك الدخول ابدا.
**
يا صديقي لا تقرع جرس الباب او تطرق الأبواب لمجرد الطرق، هي لا تطرق إلاّ لأنّ من يسكن في المنازل التي نطرقها ما زال فيها فإن انتقل ظلّ الطارق والطرق والمطروق واحدا لكن بلا معنى.
**
فيا صديقي الذي غاب منذ الطفولة، غاب بعد ان قرعنا معا جرس بنت الجيران وهربنا، هربنا معا، انا الى بيت جدي وانت الى مكان كنت اجهله قبل عودتك محاولا قرع الجرس لتخرج لنا تلك الصبية السمراء وتشتمنا، اتعلم لماذا لن تخرج بنت الجيران بعد قرع الجرس؟ انك لن تعلم لان غيبتك طالت جدا وتلك التي انتظرتْ قرعك للجرس طال انتظارها خلف الباب وماتت وهي تنتظرك.
**
فقدنا يا صديقي نغمة جرس البيت التي تملأ أرجاءه معلنة قدوم ضيف دون موعد سابق من قريب أو صديق تقابلها عبارات الترحيب والبشر يعلوا المحيا من الجميع صغيرهم وكبيرهم، اصبحنا مثلكم في غربتكم ننظر للزيارة المفاجئة التي لم تبرمج ويعد لها موعد سابق بأيام وربما أسابيع عيب وقلة ذوق، وقد يُتهم الزائر بالتطفل أو بالاستهانة بأهل الدار.
**
واخيرا اعلم يا صديقي انني
طرقت الباب حتى كل متنى
فلمــــا كل متنى كلمتنــــي

تعليق واحد

  1. فقالت: يا اسماعيل مهلاً
    فقلت: يا اسمى عيل متني