الرئيسية / اخبار /  في مسألة إغلاق الأجواء الأردنية

 في مسألة إغلاق الأجواء الأردنية

د. جواد العناني

أغلق الاردن مجاله الجوي امام الطيران العسكري والمدني في آخر ساعات اليوم الثالث عشر من هذا الشهر نيسان ولم يعد فتحها إلا بعدما اعلنت طهران انتهاء هجومها الجوي بالمسيرات والصواريخ البالستية والعابرة فجر بوم الرابع عشر من نيسان، وبينما أعلن الناطق أن مطار الملكة علياء سيفتح الساعة ال11 صباحا، بدأ المطار باستقبال الطائرات في الساعة الثامنة والنصف صباحا، وقد عزي السبب الى أمرين: الأول ان حركة الصواريخ والمسيرات تشوش على الاتصالات مع الطائرات المدنية المغادرة لمطارات الأردن أو القدمة إليه، والثاني والاهم هو ان الأردن لم يرد لأرضه أو جوه أن يكونا منطقة اعمال عسكرية بين ايران واسرائيل.

وقد تذكرت ان الاردن قد امتنع في شهر كانون الثاني من العام 1991 بالدخول في التحالف الدولي الذي فامت ادارة الرئيس جورج بوش الاب بتوليفة من اجل اخراج القوات العراقية من الكويت وقد فسر الناس ذلك القرار بانه انتصار للعراق وهذا صحيح ولكنه لا يعكس الحقيقة الكاملة، والسبب الرئيس انذاك يعود إلى أن الأردن لم يرد لآراضيه أن تكون موقع قتال بين العراق وإسرائيل وقد أكد هذا الأمر آنذاك المؤرخ الاسرائيلي “آفي شلايم” في كتابه الذي آلفه عن سيرة المغفور له باذن الله الملك الحسين والموسوم ب”أسد الأردن” “the lion of jordan” والذي صدر بعد وفاة الراحل العظيم عام 1999.

وقد شارك الاردن في حرب عام 1967 علما ان المغفور له الحسين قد اكد في كثير من التصريحات أنه دخلها غير راغب لعلمه المسبق انها سوف تؤدي إلى خسارة مدوية، لكنه دخلها لأن عدم المشاركة مع تحقق الخسارة سيظهر الأردن في موقف محرج وسوف يتهم بأنه المسؤول عن الخسارة، وقد دخل تلك الحرب دون استعداد كامل، وتبين أنها كانت شركا لمصر وسوريا والأردن وكان ما كان.

وكم من مرة ناقشت المرحوم لماذا دخل الحرب فكانت اجابته تأتي في إطار من الحسرة وكان يقول لي: “اني أخشى ما اخشاه أن التاريخ سيذكرني بأن القدس قد ضاعت في عهدي”.

وفي العام 1996 حملني جلالته رسالة إلى الرئيس الإيراني انذاك محمد خاتمي وخاطبه جلالة المغفور له الملك الحسين بقوله “ابن العم” لأنه ينسل من الهاشميين، وقد آراد جلالته أن يمد جسور العلاقة مع الجمهورية الإسلامية في عقد رئيس إصلاحي معتدل ألف كتابًا عن رفضه فكرة “ولاية الفقيه” وان ترك للشيعة من مواطني إيران حرية الإيمان بها، ولكنها ضمن خطته الإصلاحية.

وفي عام 1997 سافرت مع الراحل الملك الحسين إلى واشنطن وقد أكد جلالته في تلك الزيارة على الرئيس بيل كلينتون أن يصل إلى تفاهم مع إدارة الرئيس السيد محمد خاتمي والّا كان الرئيس القادم سيكون من الإيرانيين المتشددين والذي سيزيد من التوتر في المنطقة، ولكن الرئيس كلينتون لم يفعل شيئًا بسبب أن اللوبي الداعم لإسرائيل كان يريد لإيران رئيسًا مثل محمد أحمدي نجاد حتى تتوفر لهم المبرات لتبرير حيل اسرائيل نحو التطرف.

والتطرف في جانب يخدم التطرف على الجانب المعادي وإن بدا أنهما متضادان بشكل كامل.

وفي السنوات الأولى من تولي صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني السلطة، مورست مع الأردن ضغوط أمريكية وغربية لكي يعاند إيران، ويقف فيها موقف العداء ولكن الملك عبدالله بحكمته لم يصغ إلى ذلك، وحتى أنه أبدى عبر الزمن، كياسة حيال الدعاية المضادة والتهديدات والأنفال العدائية الموجهة ضد الأردن، ولذلك يجب أن نقول أن الأردن لم يبادر إيران يومًا بالعداء أو الاستهداف، بل إن الحرس الثور وهو والمتطرفين من وضع الأردن نصب أعينهم وقد أطلقوا ضده الاتهامات.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن الحشد الشعبي وقواته في العراق وأنصاره الداعمة لسياسات إيران في العراق هم من وقفوا سدا مانعًا حتى تنفيذ المشروعات المهمة للعراق والتي وقع الأردن اتفاقات أو مذكرات تفاهم بشأنها مثل أنبوب النفط، وسكة الحديد، والمنطقة الصناعية على الحدود، وغيرها، وما يزال قوى الضغط هذه معادية للأردن رغم أن المرجعية الشيعية العليا في النجف كان غير معادية للأردن بل إن كثيرًا من أئمة الشيعة البارزين والشيعة العرب الأقحاح، يحبون الأردن والأسرة الهاشمية على رأسها ملك الأردن، ولا أدري كيف يتوقع لبعض الغلاة من أنصار إيران أن يوافق الأردن على فتح مراكز للتشيع في الأردن.

العلاقات بين الأردن وإيران كان من الممكن أن تأخذ مسارًا أفضل مما عليه الأمور الآن، ولكن صناع القرار في إيران لم يريدوا ذلك، ووقفوا في وجه تحسين تلك العلاقة باستمرار.

وفي ضوء هذا الواقع، يثور السؤال المهم، لما يتوقع بعض الإيرانين أو حتى بعض المتظاهرين في العراق، ضد الأردن أن يفتح الأردن حدوده وفضاءه للإيرانين لكي يتصرفوا فيه وفق ماهو في صالحهم، ولكنه يهدد أمن الأردن واستقلاله، صحيح أن الأردن قوي في الدفاع عن نفسه، ولكن لو كان يلجأ للعواطف لكان من الأول أن يفتحها لمن يريد محاربة إسرائيل بسبب أفعالها المشينة ضد أهلنا في غزة.

ومن واجب الأردن أن يعطي الأولوية لصالح الأردن أولًا، وقبل كل شيء، وهل يستطيع الأردن لو تعرض لحرب شرسة، ضده أن يساند فلسطين؟

وهل أردن مقيض الأركان سيكون سندًا للاهل هناك !

الجواب واضح والتغافل في الاجابة عنه خلف غلالة من العواطف الهوجاء، التي أدت في كل حروبنا لخسائر فادحة، والله يخطابنا عندما يريد أن يقنعنا بـ”اولو الألباب” والمتنبي يقول الرأي قبل شجاعة الشجعان، هو أول وهي في السطر الثاني. ” ذو العقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ وأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَم”

الأردن الوسطي العاقل المتدبر هو الذي أبقانا ناجين من شرور العواطف، ومن تغيب العقل ، فلنتق الله في بلدنا العزيز الغالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *