الرئيسية / كتاب الموقع / الملك ومصباح علاء الدين  

الملك ومصباح علاء الدين  

الدكتور ناصر نايف البزور
تابعتُ قبل فترة وجيزة زيارة جلالة الملك إلى إحدى المناطق النائية وأظنّها قرية الثغرة في محافظة معان التي لا يتجاوز عدد سكّانها ثلاث مئة نسمة؛ وكنتُ مسروراً جدّاً وأنا أشاهد جلالته يُجالِس أهل تلك القرية الفقيرة والمعوزة في “خربوش” بسيط وعلى بساط أو فرشة بالية… 🙁  وكان يُحيط بجلالته أهل تلك المنطقة بعفوية ويطرح كلّ واحدٍ منهم مطلبه البسيط… فُيجيب الملك بما يتناسب مع المقام مِن بساطةٍ وعفويةٍ ونخوة وهو يدقُّ على صدره بما تعنيه الدقّة مِن المعاني العربية الجميلة: أبشِر “هاي عندي… هاي كمان عندي…وهاي عندي كمان… ”
وها نحن اليوم نقف في الرمثا ويومٌ واحدٌ يفصلنا عن الزيارة الملكية التي يرتقبها أهل الرمثا للوائهم شبه المنكوب… لواءٌ فقيرٌ عانى وما زال يُعاني الكساد والبطالة والفقر وضعف البُنية التحتية منذ ثلاثة عقود…  🙁
فقد كان لواء الرمثا أكثر المُتضرّرين من أزمات الخليج بسبب المساس المباشر لحرب الخليج الثانية والثالثة على الأسطول البرّي (من “التريلات” والتنكات” “والبرّادات”) والذي كان الأكبر في المملكة والذي كان يمتلكه الرماثنة… والذي جعل الحركة الاقتصادية والعمرانية تزدهر بشكلٍ غير مسبوق لعقدين مِن الزمن قبل أن تنتهي أحلام الرماثنة بكساد حركة أسطولهم بسبب إغلاق المعابر الجزئي والكلّي بين الأردن والعراق… 🙁 فأصبحت تنكاتهم وتريلاتهم لا تأتي بتعبها ومصروفها بعد أن كانت كالاوزة التي تبيض ذهباً  🙁
ثمّ جاءت الأزمة السورية فزادت “السخام” “شحاراً” والطين بلّة والركود كساداً؛ وأصبحت الرمثا منطقة منكوبة بجميع المقاييس العالمية والدولية… نزوحٌ هائل للأشقاء السوريين نتج عنه غلاء معيشة غير مسبوق وتهالُك للبنية التحتية الضعيفة أصلاً مِن مساكن وخدمات طبية وتعليمية ورياضية؛ وتفاقمت الكارثة بتعطّل أكبر أسطول برّي للنقل والتخليص والتجارة كان أهل الرمثا غالبية أصحابه مِن “بَحَّارة” وشركات تخليص وشركات تأمين وشركات صرافة… 🙁 آلاف البَحّارة الذين كان دخل الواحد فيهم لا يقلّ عن مئة دينار بل ويزيد أحياناً عن الألف دينار يومياً وجدوا أنفسهم ومَن يُعيلونهم دون أدنى دخلٍ لسبع سنواتٍ عِجاف؛ فباع البعض بيته؛ وباع البعض ما يمتلكه من بعض دونمات الأرض التي ورثها عن آبائه وأجداده…وباع معظمهم سيّاراتهم التي كانوا يعتاشون عليها…وبعضهم كافح وعمِل على خط سفريات الأردن-السعودية لتحصيل قوت عياله… 🙁
بهذه الصورة الاجتماعية والاقتصادية القاتمة والمُبَسَّطة والموجزة وغيرها الكثير مِن صور البؤس التي يشهدها اللواء، تُسيطر على الكثير مِن أبناء الرمثا حالة مِن اللاواقعية بل والخيال والأحلام في تحقيق الزيارة الملكية للكثير مِن مطالبهم وإيجاد حلول للكثير مِن مشاكلهم المستعصية والتي يعجز عن القيام بها حتّى المارد الخارق في مصباح علاء الدين السحري… 🙁 فالحل لهذه المشاكل والأزمات التي تعصِف بلواء الرمثا وبلُغةِ الأرقام يتجاوز مجموع حجم ميزانية المملكة الاردنية الهاشمية للعام الحالي 2019… 🙁
أجل نريدُ شوارع مُعبّدة صالحة…نريدُ مستشفيات مُجهّزة…نريدُ مدينة رياضية متكاملة…نُريدُ مدارس مُهيّئة… نُريد مصانع… نُريد سكن كريم… نُريد قروض زراعية كبيرة وميسّرة… نريد تأميناً صِحّياً شاملاً…نريدُ إقامة منطقة حُرّة…نريدُ ترفيع اللواء إلى محافظة… نُريدُ إعفاءات… نُريدُ مساعدات… نُريد بعثات… 🙁
نريدُ أن يتولّى أبناء الرمثا مناصب رفيعة في الدولة؛ِ فعدد الوزراء والأعيان مِن أهل الرمثا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة؛ بل ربّما لم يسبق لأحدٍ من أبناء الرمثا أن أصبح رئيس أو نائب رئيس جامعةٍ أردنية حكومية… نريدُ…ونريدُ…ونريدُ… 🙁
لكن علينا أن نتذكّر ثلاثة أمورٍ رئيسة:
أوّلاً: مَن أراد أن يُطاع فليطلبَ المستطاع؛ ومعظم هذه الأمور ليست في المنال لأسبابٍ يعلمها الجميع…
ثانياً: زيارة الملك هي زيارة تفقديّة وبروتوكولية لها أبعاد معنوية كثيرة في المقام الأوّل…
ثالثاً: مطالب واحتياجات لواء الرمثا الهائلة تحتاج أموالاً طائلةً وليست كطلبات تلك المنطقة الآنف ذكرها من البادية “الثغرة” والتي كانت مطالب أهلها لا نتجاوز  عشرات آلاف الدنانير؛ فلا يحسبنَّ أحدُنا أنّ جلالة الملك “سيدقُّ على صدره” عند كلِّ طلبٍ للمتحدّثين أو أن يقول: “هاي عندي… وهاي كمان عندي…وهاي عندي كمان”
رابعاً: لنتذكّر أنّ معظم هذه الطلبات يطرحها أو قد يطرحها أو ينبغي أن يطرحها نوّاب الرمثا الكرام على الوزراء تحت القبّة وفي رئاسة الوزراء وعند كلّ جلسة منح ثقة وعند كلّ جلسة موازنة وعند كلّ تصويتٍ على قانون تحتاج الحكومة لتمريره… فهذه ببساطة مسؤولية نوّابنا ومسؤولية وزاراتنا وحكوماتنا وليست مسؤولية الملك… 🙁
خامساً: فلنتذكّر أنّ مارد مصباح علاء الدين قد حدّدَ تحقيق أمنيات السندباد بثلاث طلبات فقط… 🙁 فلماذا نُفرِط نحن في عدد وحجم أمنياتنا مِن ملكٍ يزورنا ليقول وليؤكّدَ لنا: أنا واحدٌ منكم…أشعرُ بهمومكم…وأعرف الكثير مِن احتياجاتكم وربّما جميعها…ولكنّكم أيضاً تعلمون سوء أوضاعنا وضيق ذات اليد…جئتكم لأسمع منكم كيف يُمكن أن نتعاون ونتكاتف للعبور بوطننا مِن دوّامات المِحِن وليس لمفاقمة مِحَنه؛ فلا تُحمّلونا ما لا تسطِعُ أن تحمله سفينتنا الصغيرة في وسط بحرٍ لُجّيٍ هائجٍ تتقاذفنا فيه الأمواج والرياح العاتية مِن كلِّ حدبٍ وصوب… 🙁  والله أحكم وأعلم

تعليق واحد

  1. حطيت ايد عالجراح يا دكتور

    فالرمثا ليست كما كانت قديما