الرئيسية / كتاب الموقع / عندما خذلنا القرآن!

عندما خذلنا القرآن!

 

د. عبدالله الزعبي.

الفيزيائي الباكستاني محمد عبدالسلام، الذي حاز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1979 بالإشتراك مع العالمين الامريكيين اليهوديين شيلدون جلاشاو وستيفن وينبرج لإسهامهم في نظرية توحيد القوة الضعيفة والتفاعل الكهرومغناطيسي بين الجزيئات الأولية، يقول: “لا شك أن العلم اليوم أضعف ما يكون في أرض الإسلام من بين كل الحضارات على هذا الكوكب، وأن المخاطر الناجمة عن هذا الضعف يهدد شرف الأمة ونجاتها بل وبقاءها الذي يعتمد كلياً على العلم والتكنولوجيا”. ورغم أن عبدالسلام غادر بلاده عام 1974 احتجاجاً على قرار البرلمان الباكستاني الذي كفَر الطائفة الأحمدية (القديانية) التي ينتمي إليها، إلا أن الحكومة الباكستانية أصدرت طابعاً تذكارياً عام 1998 تكريماً لخدماته العلمية في البرنامج النووي الباكستاني. أما عالم الفيزياء العراقي-البريطاني جميل صادق الخليلي، المعروف بإسم جيم الخليلي، فيدعو في كتابه “كيف أنقذ العلم العربي المعرفة القديمة ومنحنا النهضة”، إلى أهمية دفع البحث العلمي إلى حيث ينتمي: قلب المجتمع المتحضر والمستنير”. وأما الفيزيائي الجزائري نضال قسوم فيؤكد في كتابه: “سؤال الكم في الإسلام: التوفيق بين التقليد الإسلامي والعلوم الحديثة”، على ضرورة دمج العلم الحديث مع النظرة الإسلامية للكون، وهذا يتضمن نظرية التطور التي يعتقد أن محتواها لا يتعارض مع المبادئ الإسلامية، ويؤكد على ضرورة طرح الإسلام للأسئلة العلمية والجوهرية العميقة بكل جدية ما من شأنه أن يعيد مجد العلوم العربية الإسلامية الضائع.

تلك أمثلة من حالة المخاض العسيرة التي يعيشها العلماء العرب والمسلمون اليوم نتيجة الجدب الفكري والمحل الحضاري الذي أصاب العقل العربي وأبتلاه بالشلل والهذيان والخمول وكبله بالرعب والجبن وفي تناقض تام مع صميم الرسالة التي أوكلت إليه في عمارة الأرض وخلافة السماء. إن النظرة المتدبرة للقرآن الكريم تجد كلمة الله جلية في تحديها للعقل وتشجيعها للعلم وحثها على التفكر والتبصر في الآفاق والأنفس، والتي أشار إليها الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال في كتابه “الخواطر” بعد ألف سنة وينيف في لانهائياته، من اللانهاية العظمى المتمثلة في المجموعة الشمسيّة إلى المجرات فالسوبر كلسترات فالكون المرئي ومنه إلى الأكوان المرئية المتمددة على الدوام، ثم إلى اللانهاية الصغرى التي تتجسد في الخلية والذرة ثم البروتون والنيوترون والبيون والإلكترون ودونها إلى الكوارك والغلوون، ثم القوة الكهرمغناطيسيّة النووية الضعيفة وما دون ذلك.

القرآن الكريم يطفح بلغة التحدي للإنسان إذ تلمس في كل سورة وآية، تصريحاً مباشراً أو تلميحاً واضحاً إلى إرتباط الإيمان والعلم، وثنائية الأفئدة والألباب، وصلة العقل بالنور، والطاعة بالرحمة، وهكذا يتحفنا أهل الإعجاز العددي في القرآن إذ أحصوا عدد المرات التي تكررت فيها كلمة العلم فكانت 80، ومع مشتقاتها تتكرر 811 مرة، وكذلك الإيمان، والعقل 49 مرة وكذلك النور، والألباب 16 مرة وكذلك الأفئدة. كما يفيض القرآن بمفردات الآية والحجة والدليل والبينة والنهى والهدى والإدراك والتفكر واليقين والبيان والحكمة والبرهان، وكثير من الألفاظ والمشتقات التي تدل على معاني العلم وإعمال العقل وتحث عليهما.

إن كتاب الله الذي يدافع عنه كل مسلم في أرض الأسلام تلك كان المعجزة التي اقنعت العرب الذين كانوا غارقين في البداوة بنبوة محمد، مثلما كان الكلمة التي طهرت قلوبهم ونبهت عقولهم واستفزت انسانيتهم ومنحتهم معنىً للحياة وتفسيراً للموت وما بينهما. القرآن الذي كان الضياء الذي اشرق له الكون وإنسابت من ثناياه أشعة الحق، أصبح اليوم تراتيلاً تطرب على أنغامها النفوس التائهة، وكلمات تتمتم بها الشفاه دون سبرها القلوب، يكاد أثره يضيع في صخب الفوضى وسفاسف الأمور، يوشك أن يغيب تماماً عن صياغة عقل الأمة وحماية ثقافتها وصون حضارتها ناهيك عن حمل الرسالة التي أوكلت إليها فخرجت من الخيرية التي وصفت بها إلى الوليمة الشهية التي تتدافع عليها الأمم طمعاً وجشعاً.

العلم والإيمان صنوان، لا وصاية عليهما، وشمس الأمة لن تشرق من جديد، بل لن تشرق أبداً، بل ستندثر وتموت، ما لم ندرك أهمية العلم عند كل فرد، صغير وكبير، سائل ومسؤول، حاكم ومحكوم، وأن نؤسس لثورة علمية بعقل علمي ومنهجي وهاديء، فذلك سيأخد عقوداً وربما قروناً، وسيكون له أعراض جانبية وثمن عظيم، لكن الأهم هو أن نبدأ، نضع العلم حيث ينتمي في القلب المستنير، نحفظ شرف الأمة ونجاتها، نعيد ألق العلم في القرآن، وبغير ذلك فعلينا السلام ونكون حقاً قد خذلنا القرآن.

د. عبدالله الزعبي.

2 تعليقات

  1. د.ابراهيم الكراسنه/ ابو ظبي

    الاخ الدكتور عبدالله مقال وتحليل معمق ولكن يا ريت لو كان العنوان غير ذلك لان القران كلام الله ونحن البشر اقل واضعف من فعل الخذلان لكتاب الله وربما عدم التزامنا بما جاء به قراننا وصلنا الى ما وصلنا اليه من التخلف وعدم اللحاق بركاب الامم المتقدمه بعدما كنا خير امه اخرجت للناس وكان المسلمون الاوائل الرواد في علوم الطب والفلك والرياضيات وغيرها. الخذل اصابنا نحن لذا ربما العنوان الانسب القران والتقدم العلمي. ودمت بخير صديقي العزيز.

  2. كم نحن نحاجة لمثل هذا الطرح المفعم بالطاقة الايجابية والحس العلمي – طرح يعكس المزج بين الايمان والعلم وهذا هو ما تحتاجه الامة التي لا يمكنها أن تتقدم الا من خلال هذه المعادلة الدقيقة التي تجمع بين الموروث الديني والاجتهاد العلمي بعيدا عن المستغربين والمستشرقين اللاهثين على ابواب السفارات – كل الاحترام والتقدير