الرئيسية / كتاب الموقع / القيادات الحزبية التي نريد

القيادات الحزبية التي نريد

د. أميرة يوسف ظاهر

تتماهى الأحزاب التي كثرت هذه الأيام على غير الأرقام التي نتوقعها بعد تعديل القوانين الخاصة، ويعجز المطّلع والمراقب عن حفظ أسماء هذه الأحزاب إلا إذا كان هناك صديقا في هذا الحزب أو ذاك، ونرى عددا قليلا من الشخصيات الوازنة في الكثير من الأحزاب إما لعدم قناعتها بفكر الحزب والبرنامج الذي يتبناه، وإما لعدم وجود دور لهذه الشخصيات الوازنة إلا من خلال دعوات لحضور فعاليات تحدث هنا أو هناك، وفي كل الأصعدة يعجز الكثيرون عن فهم الفروق التي تميز الكثير من الأحزاب إلا في الاسم، ومن المفارقات أنه في أحيان كثيرة يكون الاسم مغايرا تماما لفكر الحزب أو للقيم التي يتمثلها.

فهل نحن على عتبة فشل التجربة الحزبية في ظل وجود مجموعات تقود العمل الحزبي الحالي بنظام الفزعات، وتتبنى عشوائية التنظيم وغياب الشفافية والمعايير الواضحة والمعلنة!؟ وهل ينقصنا في الفترة الحالية شخصيات كارزماتية وقيادات متمكنة أحجمت عن العمل الحزبي كما حدث في تسعينيات القرن الماضي؟ لقد أصبح علينا أن نكون أكثر إيجابية ونتدفق إلى الأحزاب بطريقة تمنع الذين يبنون بيوتهم داخل الأحزاب ونوقف بناءهم لنمنع تردي الحال، وأضحى الوقوف في مواجهة الإخلال بالتجربة واجبا لقيادة دفة الإصلاح والتقدم والتطوير، والمضي قدما بلا تراجع في تجربتنا التي كنا في أمس الحاجة إليها، وعدم ترك الساحة فارغة لقيادات براغماتية، أو لمن لا يستطيع ولمن لم يكن مؤهلًا، أو ما زال محسوبا على الحرس القديم.

فالساحة الآن مفتوحة ومنفتحة على وطن بحاله، وعلينا ألا نتراجع لمجرد أن وجد هناك من يرسم العقبات بطموحاته الفردية، أو يرسم المستقبل الذي نتشارك فيه جميعا، وعلينا أن نتقدم لأخذ مواقعنا، وهنا ننأ بالذات ونقصد كل واحد لديه القدرة على المشاركة السياسية الفاعلة، وعدم التخلي عما يسمح لنا القانون به.

ولنستبعد النظرة التشاؤمية ونترك اليأس، ونتوسم خيرا بعد التوجيهات الملكية وإقرار اللجنة الخاصة بالتحديث السياسي لمشروع قانون الأحزاب السياسية، ونكف عن استبعاد هذا ودعوة آخر بناء على شيخو قراطية أو مناطقية أو ايديولوجية تذهب إلى منحنيات مبتعدة عن الأسباب الموجبة لمشروع قانون الأحزاب السياسية، وهناك من الرجال والنساء الذين لديهم قدرات لأجل العمل الوطني أينما كانوا وكيفما حلوا، لا فرق بين هذا وتلك إلا فيما يخدم وطننا وأهلنا.

فمن هم القادة القادرون على امتطاء صهوة الأحزاب البرامجية ذات القيم التي يحملها مجتمعنا وتتبناها أمتنا، وهل نحن عاجزين عن إيجادهم وسط هذا الانفتاح عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكيف نستطلع إخلاص وصدق هؤلاء الذين ينصب أحدهم بينما آخرون ينحون من خيرة الخيرة، وهل كل من لم يلتحق بركب معين هو غير قادر على قيادة المركب؟!

القائد الذي نريد للعمل الحزبي هو من لديه القدرة على التراجع إن لم يستطع الاستمرار، الذي يُؤثِر على نفسه إن وجد في غيره إمكانيات لم يجدها في نفسه، وهو من يعمد إلى حلول جذرية لا تضر بالمجتمع ولا بقيمه ومعتقداته، من إذا تحدث صدق وإذا أؤتمن لم يخلف وإذا عاهد أوفى، الذي يتفق عليه معظم الناس وليست مجموعة بعينها، ولا ينحني إلا لله ويؤمن بمثل البيعة التي ورثناها وآمنا بها للقيادة التي أجمع عليها الجميع دون مواربة أو تراجع.

القائد الحزبي الذي نريد هو من يقدم مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية ومصلحة غيره على مصلحته، ويقدم للصفوف من يجد هو وغيره فيهم القوة والمواطنة الصادقة والفكر النقي، ومن يتوسم فيهم الخير لهم وللناس، ويعتد بهم الناس حين يذكرونهم، ويملكون في أعماقهم ضميرا وأنفة.