الرئيسية / كتاب الموقع / كرامة الأمة وحريتها.. الدكتور عبد الله الزعبي

كرامة الأمة وحريتها.. الدكتور عبد الله الزعبي

خرج على الشعب الأردني قبل شهر نائب مخضرم نقدر ونحترم بتصريح غريب مثير للجدل حول صفقة القرن التي تمثل حسب رأيه “مصلحة الدولة الأردنية، وأن العجايز في القرى لا يعرفونها، ومن يعرفها هم السياسيون فقط”. كما استشهد النائب المحترم بموقف الملك الحسين رحمه الله بشأن إتفاقية وادي عربة عام 1994 الذي قال حسب الرواية: “إذا أردتم كرامتكم وحريتكم والحفاظ على أعراضكم وممتلكاتكم علينا أن نقبل بالواقع”، واستطرد النائب قائلاً: “وقعنا معاهدة السلام واستقرينا في وطننا وحافظنا على كياناتنا”. ما كان يخشاه عموم المواطنين هو أن تعكس تصريحات النائب تلك رأي شريحة واسعة من النخبة السياسية بصفقة القرن وإيمانهم بضرورة السير في ركابها لأنها تمثل مصلحة الدولة. أما الأخطر من ذلك فتلك الأصوات الغشيمة التي ترى في الصفقة حلاً للقضية الفلسطينية وتحسيناً لوضع الأردن الإقتصادي، ولا أحسبها أصواتاً قليلة أو معزولة وربما تكون أكثر مما نتصور. وبالطبع تعود هكذا آراء، سواء الرسمية أو الشخصية، إلى جهل مطبق بتاريخ الأمم والثمن الذي تدفعه من أجل تحررها وبحثها عن مكان للكرامة تحت الشمس، خصوصاً تاريخ الأمة العربية الطويل وقصته عبر آلاف السنين مع الغزو والإحتلال ثم النهوض والقتال والنصر، قصة عادت وتكررت مراراً إنسجاماً مع ناموس الكون ورحلة الحضارة الإنسانية.
الجهل يبقى عدو الإنسان الأخطر، خصوصاً جهله بذاته وتاريخه، وحسبنا أن نستذكر أن هزيمة الصليبيين للدولة الفاطمية واستيلاؤهم على بيت المقدس يوم 15 تموز 1099 بعد حصار دام 38 يوماً أدى إلى مذبحة راح ضحيتها 70 الف إنسان أعزل في 8 أيام فقط، حسب تقديرات ابن الأثير الجزري (1160-1233)، وحوالي 60 الف حسب المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون (1841-1931)، في حين أن ضحايا الحروب العربية-الإسرائيلية مجتمعة منذ عام 1920 ولغاية عام 2014 بلغت 91105 شهيد عربي ومسلم مقابل 24969 قتيل يهودي حسب التقديرات الإسرائيلية. وبغض النظر عن الأرقام، فإن الأداء العسكري العربي كان متردياً عموماً، ولم يخض المقاتل العربي حرباً حقيقية مع اسرائيل سوى جزئياً في معركة الكرامة عام 1968 وحرب تشرين عام 1973، أما التاريخ فيخبرنا حقاً أن حرب الأمة مع اسرائيل لم تبدأ بعد.
ما يثير الدهشة أن عدد الدول والممالك العربية لحظة سقوط بيت المقدس في يد الصليبيين بلغ 21 دولة، فبالإضافة للدولة العباسية (750-1258) في العراق والجزيرة العربية والدولة الفاطمية (899-1171) في مصر وفلسطين، انشطر العالم العربي إلى دويلات منها دولة برغواطة (744-1149)، المرابطين (1048-1150)، الحماديون (1014-1152)، بنو الورد (1050-1159)، بنو خراسان (1057-1157)، بنو زيري (972-1152)، بنو الرند (1053-1158) في شمال افريقيا، وبنو عمار (1070-1109)، السلاجقة (1038-1194)، سلاجقة حلب (1095-1117)، سلاجقة الشام (1079-1104) في بلاد الشام، العيونيون (1076-1253) في شرق الجزيرة العربية وبنو نجاح (1011-1158) في جنوبها الغربي، بنو الرسي (897-1558)، بنو حاتم (1099-1174)، بنو صليحي (1045-1138)، بنو زريع (1083-1174)، آل الدغار (1067-1175) في اليمن، وسلاجقة كرمان (1043-1187) في عمان. والمدهش كذلك أن وقت سقوط الأندلس وخروج آخر ملوك بني الأحمر (1232-1492) منها عام 1492، شهد العالم العربي تشرذماً واضحاً حيث دولة المماليك (1258-1517) في الحجاز ومصر والشام، والوطاسيون (1462-1554) والحفصيون (1229-1574) في شمال افريقيا، والتيموريون (1370-1507) في الشام والعراق، وبنو طاهر (1454-1526) في اليمن، والسلطنة الكثيرية (1379-1967) في حضرموت والأشراف (1258-1517) في الجزيرة العربية. جميع هذا الدويلات تلاشت في غياهب الأيام ولم تترك أثراً يذكر ولم يعد يعبأ بها التاريخ إلا قليلاً. أما الحروب الصليبية فقد خلفت عند خروجهم من آخر معقل لهم في جزيرة ارواد عام 1303، زمن السلطان المملوكي ناصر الدين محمد بن قلاوون، حوالي 3 مليون قتيل بينما أدت محاكم التفتيش الإسبانية في الفترة (1478-1834) إلى إعدام 31000 إنسان حرقوا بالنار، وحوالي 290000 وقعت عليهم عقوبات أخرى، إضافة لحملة التنصير والتهجير. أما في حرب الخليج الأولى عام 1991 فقد قتل فيها 100 الف عراقي، وفي الحرب الثانية، تقدر هيئة إحصاء القتلى العراقيين عدد القتلى ما بين شهر نيسان عام 2003 حتى شهر حزيران عام 2010 ما بين 97461-106348 إنساناً، ناهيك عن عدد القتلى الذين سقطوا في مختلف أنحاء العالم العربي منذ الربيع العربي وحتى يومنا هذا في سوريا واليمن وليبيا، إضافة للحروب الأهلية والنزاعات على مدار عقود خلت في الأردن ولبنان والكويت والجزائر والسودان وكل مساحة الوطن الكبير، إضافة للثورة الجزائرية التي تعتبر أعظم ثورة تحررية في العصر الحديث دفعت بمليون ونصف شهيد.
ستبقى الأمة العربية تدفع تمن ضعفها وتشرذمها من أرواح أبناءها وتماسك ترابها ما لم تتمكن من أسباب المنعة والقوة التي تتجسد بالوعي والوحدة والأخذ بالعلم والتكنولوجيا سبيلاً والتمسك بعقيدتها والتسامح والرقي في ثقافتها والإبتعاد عن الأنانية والفرقة والصراع على الحكم والنفوذ والإستئثار بالسلطة وتسلح الساسيين بالمعرفة والحنكة والعمل على خدمة ورفعة الإنسان، وبإختصار، فإن رفض الواقع والثورة عليه، لا القبول به والرضوخ لإتفاقيات وصفقات الذل والعار والإرتماء في أحضان المستعمر الغريب، وحده ما يضمن سلامة الأوطان والإنسان والأعراض ويحفظ كرامة الأمة وحريتها.
د. عبدالله الزعبي.