الرئيسية / كتاب الموقع / الصراع مع الصهيونية العالمية

الصراع مع الصهيونية العالمية

الصراع مع الصهيونية العالمية

يعود أول نشاط استيطاني لليهود في فلسطين إلى وصية رجل الأعمال الامريكي، من مدينة نيوبورت في جزيرة لونج ايرلاند، يهوذا تورو (1775-1854) وهو من السفارديم الذين عاشوا في اسبانيا والبرتغال تحت الحكم العربي الاسلامي وأخفوا ممارستهم للطقوس الدينية بعد سقوط الأندلس مدة تجاوزت 250 عام حتى هاجروا إلى الأرض الجديدة. كان ميراث يهوذا تورو كافياً لبناء أول مستوطنة يهودية سكنية خارج البلدة القديمة في القدس عام 1859 سميت مشكنوت شعانانيم (المسكن السلمي) على تل مقابل جبل صهيون. تلا ذلك إنشاء أكثر من 20 مستوطنة يهودية جديدة في فلسطين في الفترة (1870-1897) على إثر النشاط الذي قامت به مجموعة من المنظمات الصهيونية المبكرة التي انقسمت إلى تيارات دينية وسياسية وثقافية وإشتراكية عمالية، أهمها منظمة هوفي صهيون أو عشاق صهيون التي بدأت بتنظيم نفسها في روسيا عام 1881 إثر المذابح التي تعرض لها اليهود في الإمبراطورية الروسية فعقدت مؤتمرها الأول عام 1884 برئاسة الطبيب ليون بينسكر (1821–1891). ثم جاء تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل، سويسرا، في الفترة من 29-31 أغسطس 1897 برئاسة الصحفي والكاتب النمساوي-المجري ثيودور هرتزل (1860-1904)، وحضور 208 مندوباً من 17 دولة، أتى أكثر من نصفهم من أوروبا الشرقية وحوالي الربع من روسيا، إضافة إلى 4 أشخاص فقط من أمريكا هم ديفيس تريتش (1870-1935) من مدينة نيويورك الذي كان يسعى للإستيطان اليهودي في قبرص “بوابة فلسطين”، وروزا سونشين (1847–1932) رئيسة تحرير مجلة يهود الأمريكية وفيها دعت إلى وطن قومي لليهود في فلسطين، والحاخام شيبشل شافير (1862-1933) من بالتيمور والمحامي آدم روزنبرغ (1858-1928) من مدينة نيويورك الذي أسس منظمة “العائدون إلى صهيون” عام 1891 إذ تألفت من مستثمرين عمدوا على شراء الأراضي في فلسطين من أجل الاستيطان اليهودي وتحسين الزراعة في المستعمرات الجديدة. كما إستضاف المؤتمر عشرة من غير اليهود منهم القس الألماني وصديق هرتزل ويليام هنري هيشلر، ورجل الأعمال السويسري ومؤسس الصليب الأحمر هنري دونان، الذي كان أول من حاز على جائزة نوبل للسلام عام 1901.

صاغ المؤتمر الصهيوني الأول برنامجاً يُعرف باسم برنامج بازل يهدف إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين وتعزيز الهجرة إليها وبناء المستوطنات الزراعية (الكيبوتس) وأسس المنظمة الصهيونية والصندوق الاستعماري اليهودي كأداة مالية للصهيونية السياسية وتبنى نشيد منظمة هوفي صهيون (حاتيكفه) وأصبح بعد ذلك النشيد الوطني للكيان الغاصب. استمر المؤتمر الصهيوني بإقامة اجتماعاته مرة كل عام في الفترة 1897-1901 ثم مرة كل عامين باستثناء سنوات الحرب العالمية الأولى، ثم عقد مؤتمر صهيوني استثنائي عام 1942 أعلن مطالبته “بتأسيس فلسطين ككومنولث يهودي” الذي أصبح الموقف الرسمي والهدف النهائي للصهيونية العالمية. أسست في تلك المؤتمرات اللاحقة مؤسسات مختلفة للترويج لبرنامج بازل وأعلن عن قيام الصندوق الاستعماري اليهودي في المؤتمر الصهيوني الثاني عام 1898 مثلما أسس الصندوق القومي اليهودي لشراء الأراضي في فلسطين في المؤتمر الصهيوني الخامس عام 1901، وتأسست جمعيات فرعية لدراسة وتحسين الحالة الاجتماعية والاقتصادية لليهود في فلسطين، بينما أسس حاييم وايزمان، أول رئيس لدولة إسرائيل، اللجنة الصهيونية التي أجرت مسوحات مبدئية لفلسطين وساعدت في إعادة اليهود الذين أرسلهم الأتراك العثمانيون إلى المنفى أثناء الحرب العالمية الأولى، ووسعت مكتب المنظمة الصهيونية في البلاد الذي أنشئ عام 1907 حيث حوى أقسام للزراعة والاستيطان والتعليم والأراضي والتمويل والهجرة والإحصاء. تحولت اللجنة التنفيذية الصهيونية إلى الوكالة اليهودية عام 1921 من اجل تقديم المشورة لسلطات الانتداب البريطاني لتطوير البلاد في المسائل ذات العلاقة باليهود. وبالمجموع عقد المؤتمر الصهيوني 23 مرة كان آخرها في القدس عام 1951 بعد قيام دولة الكيان.

كان من رواد الحركة الصهيونية مجموعة متنوعة من الفلاسفة والكتاب والعلماء والشعراء والصحفيين ورجال الأعمال والأثرياء والمحامين والمهندسين والأكاديميين والعسكريين، منهم ألبرت أينشتاين وحاييم وازمان، جاءوا من مشارب فكرية متشعبة وشعاب جغرافية غطت المساحة كاملة من روسيا حتى امريكيا وغمرهم الإيمان بقضيتهم نتيجة سنوات طويلة ذاقوا فيها مرارة العنصرية وألم التفرقة والتعصب والإقصاء حتى عميت بصيرتهم وتحولوا إلى وحوش كاسرة واستبدلوا دور الضحية بالجلاد، ليس لأهل فلسطين فحسب، بل للعرب أجمعين، والعالم ما وراء ذلك، فعندما يجتمع النفوذ مع العقل والمال….والسلاح….عندها يحلوا الإنتقام. وللحديث بقية.

د. عبدالله الزعبي.

تعليق واحد

  1. ما تفضلت به يا دكتور مشكوراً هو حول الاستيطان اليهودي “الحديث” في فلسطين، لكن الحقيقة التي لا ينبغي ‏طمسها فلا يعرف على وجه التحديد متى إستوطن اليهود فلسطين تاريخياً لأنهم جزء أساسي من سكان فلسطين ‏كما من سوريا الطبيعية والشرق قاطبة كالعراق ومصر واليمن ودول المغرب، بل حتى أن إستطيانهم في فلسطين ‏سبق استيطان العرب فيها.‏

    رواية التاريخ ليست مدعاة للتخوين، ولكننا أشبعنا الأجيال إغفالاً للحقائق، فبدو الصحراء العربية جاؤوا غزاة ‏لسوريا الطبيعية بعد الاسلام فقط، وقاموا بتعريبها بالقوة وبتغيير التركيبة السكانية حيث عمد معاوية إبن أبي ‏سفيان لجلب الكثير من القبائل من قلب الجزيرة وإسكانها في الشام –ومنها حوران- لحماية ملكه. قد لا ننكر وجود ‏بعض الهجرات الطبيعية الصغيرة لبعض القبائل العربية هنا وهناك في أطراف بادية الشام والعراق، لكن سوريا ‏ومنها فلسطين ليست عربية في الأصل وكانت تتكلم السريانية وتدين بالمسيحية عصوراً طويلة بعد الاسلام، ‏فالمسيح عليه السلام وهو فلسطيني المولد لم يكن عربياً ولم يسبق ظهوره الاسلام إلا بزمن قصير من عمر ‏التاريخ، وقد قصدت أن هذا الزمن القصير 600 عام غير كافي لتتحول فلسطين إلى عربية بالشكل الطبيعي ولكنها ‏تحولت قصراً.‏

    كما أن الصهاينة يرددون أكاذيباً أيضاً، نعم كان اليهود موجودين في فلسطين قبل العرب وقبل الاسلام، لكن ذلك لا ‏يمنحهم شرعية إنشاء دولة دينية عنصرية وبقوة غاصبة هجرت سكان الأرض الأصليين –سواء كانوا عرباً في ‏الأصل أم لا، وهم ليسوا عرباً بالمناسبة- وأحلت مكانهم غزاة مهاجرين إستوطنوا بالسلاح والاحتلال العسكري في ‏محيط ما زال وسيظل يلفظهم طبيعياً.‏

    يظل الحق ضعيفاً على كل حال ما لم تسنده قوة، وننتظر بقية حديثك الشيق عن قوة النفوذ مع العقل والمال .. ‏والسلاح.‏

    كل التقدير